يعتبر الزعيم الحبيب بورقيبة من بين أبرز الشخصيات التي تجسدت فيها رؤية ثاقبة وحكمة عميقة في تحقيق مصالح شعبه. و قد تبين ذلك بالخصوص من خلال الإصلاحات الجريئة التي بادر بها و منها إصدار مجلة الأأحوال الشخصية التي أعطت للمرأة حقوقا ظلت محرومة منها خلال قرون طويلة. (الصورة : تونس في الستينات من القرن الماضي – بورقيبة نقل المرأة من عصر إلى عصر).
خميس الغربي
تجسد فترة صدور مجلة الأحوال الشخصية في تونس 13 أوت 1956 تحولاً هائلاً في قوانين الأسرة، حيث أقدمت هذه المجلة على تغيير جذري في حقوق المرأة والأسرة، مما أثار مقاومة من بعض الأوساط المحافظة.
خلال تلك الفترة، شهدت مكاتب العدول ازدحامًا غير مسبوق، حيث سارع البعض لإجراءات الطلاق أو للزواج من امرأة ثانية أو ثالثة قبل أن تدخل المجلة حيز التنفيذ.
هذا الازدحام لم يكن مجرد استجابة قانونية، بل كان تجسيدًا للقلق البشري والرغبة في استغلال الوقت المتبقي قبل فرض القيود الجديدة على تعدد الزوجات.
ما أتذكره من تلك الفترة أن بعض الرجال ذهبوا إلى حد الزواج بامرأتين في نفس اليوم، وقد تداولت الألسنة هذه المواقف كحقائق أو نكت، لكن الحقيقة تبقى غامضة. ولكن، بغض النظر عن مدى صحة هذه القصص، فقد كانت هذه التصرفات، مع ما تحمله من دلالة على محاولة الالتفاف على التغيرات القانونية، دليلًا واضحًا على حجم القلق والاعتراض الذي كان يعتري بعض المواطنين تجاه مجلة الأحوال الشخصية.
في واقع الأمر، هذه التصرفات كشفت مدى الحاجة إلى الإصلاحات وساهمت في تعزيز فهم المواطنين لجدوى المبادرة التشريعية وأهمية تطبيقها في تحقيق العدالة والمساواة.
ان الشعوب، على مر العصور، غالبًا ما تقاد إلى الأمام بفضل المبادرات الثورية التي تجسد الطموح في تحقيق التغيير والتطوير. هذه المبادرات، على الرغم من أنها قد تثير مقاومة في البداية، تلعب دورًا حاسمًا في تطور المجتمعات وارتقائها.
إن التغيير الثوري ليس مجرد استجابة للأزمات، بل هو تعبير عن رؤية أوسع لمستقبل أفضل. من خلال هذه المبادرات، يتم تجاوز الحدود التقليدية وإرساء أسس جديدة للتقدم، مما يساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين ظروف الحياة.
إن المجتمعات التي تتبنى مثل هذه التغييرات الثورية غالبًا ما تجد نفسها في طليعة التقدم البشري، حيث تتجسد تلك المبادرات في إصلاحات تعزز حقوق الأفراد وتفتح أبواب الفرص أمام الجميع. هذه الخطوات الجريئة تقود البشرية إلى الأمام، مبرهنة على أن التغيير الإيجابي يمكن أن يكون الدافع الرئيسي نحو تحقيق الأهداف الطموحة وبناء مستقبل أكثر إنصافًا وتطورًا.
في هذا السياق، يعتبر الزعيم الحبيب بورقيبة من بين أبرز الشخصيات التي تجسدت فيها رؤية ثاقبة وحكمة عميقة في تحقيق مصالح شعبه. لقد كان بورقيبة يتمتع بقدرة فريدة على استشراف المستقبل والتخطيط للتغييرات الضرورية التي تتماشى مع تطلعات تونس نحو التقدم والعدالة. من خلال تبنيه لمبادرات إصلاحية جريئة مثل مجلة الأحوال الشخصية، قدم نموذجًا حيًا على كيف يمكن للقادة الأذكياء والحكماء أن يسهموا بشكل كبير في دفع المجتمعات نحو الأمام، وتحقيق التحولات الضرورية لبناء أساس متين لمستقبل أفضل.
كاتب و مترجم.