بعيدا عن اللغو و الغوغاء و التباكي، يحاول مؤلف كتاب “العرب و القضية زمن الضياع” الصادر مؤخرا في تونس طرح بعض الأسئلة الصريحة و الجريئة و الصادقة حول اسباب إخفاقات العرب و المسلمين في الدفاع عن قضاياهم عموما و القضية الفلسطينية إولى تلك القضايا على وجه التحديد.
لطيف بلهادي
بعد قرون من الانحطاط، استفاقت النخب العربية خلال القرن التاسع عشر لكي تراجع نفسها و تتساءل عن أسباب الهوّة العميقة التي تفصلها عن الغرب الذي بدأ يحتل أجزاء كبيرة من أراضيها، الأمر الذي حفّزها و جعلها تناضل من أجل التخلّص من الاستعمار الغربي و من كابوس الماضي اللّعين لبناء مصير جديد و الارتقاء إلى صفّ الأمم المتقدّمة.
لكن، منذ ذلك التاريخ، ما الذي أوقف ذلك المسار الريادي ليجعله يترنّح من الوهن؟ هل أدى الاستقلال إلى السيادة الفعلية و التقدم و الرخاء؟ الم يكن للهوس بالقضيّة الفلسطينية و التعامل معها بطريقة يطغى عليها التشنّج و التعصّب و قلّة الإدراك دور في إبعاد العرب عن قضايا التقدّم و التنمية و الانعتاق؟ ألم يكن من الأجدر ربط الدفاع عن القضية الفلسطينية بقضايا التحرر الداخلي من الحكم المتسلط و تحرير الفرد من ديكتاتورية المجموعة؟
بعيدا عن اللغو و الغوغاء و التباكي، يحاول مؤلف كتاب “العرب و القضية زمن الضياع” الصادر مؤخرا في تونس طرح بعض الأسئلة الصريحة و الجريئة و الصادقة حول اسباب الإخفاقات وهو أمر ملحّ وضروري يشكّل طريقة أخرى في النضال لصالح “القضية” ويسعى لجعلنا نسائل أنفسنا – قبل أن نسائل الأخرين – حول نهجنا في التعاطي معها وحول تصوّرنا لمستقبلنا و لمستقبل علاقتنا “بالٱخر”.
كتاب الباحث الجامعي صالح الغربي يحاول فكّ رموز هذه المسألة التي ترهق أذهاننا، سعيا لفتح باب للنقاش الجدّي و الملزم حول “هويّتنا” المفترضة وحول مصيرنا في عالم متقلّب، وذلك حتّى ولو كان ذلك في ظلّ استمرار الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.
كما انّه يستعرض الاطوار التّي مرّت بها هذه القضيّة منذ عقود والتي انزلقت نحو متاهات الراديكالية “القومجيّة” ثمّ “الإسلاموية”، قبل ان يطرح رؤية جديدة لمستقبل واقعنا ولعلاقتنا “بالآخر” تقوم على قيم تحرّرنا من سجن “الإثنية” وتساهم في تصالحنا مع الذات و الانصهار أكثر في ركب الحضارة البشرية دون خنوع و لا تعالي و بمعرفة دقيقة بمكانتنا بين الأمم.