لم يعد سرا أن نكشف أن هناك اليوم في تونس مافيات غذاء تتحكم بأرواح المواطنين ضاربة بعرض الحائط سلطة و هيبة الدولة و صحة الناس و أن هذه المافيات قد باتت تمثل خطرا داهما على الاستقرار و على الوضع الاقتصادي السوء الذي تعيشه تونس منذ ثورة 2011. لقد بات استمرار الأزمة و تصاعد الأسعار و ندرة المواد الاستهلاكية مثيرا للتساؤل حول دور الدولة في حماية المواطن و هل باتت هناك مافيا تحكم و سلطة تتفرج.
أحمد الحباسي
معلوم أن غش المواد الغذائية من طرف بعض التجار من ذوى النفوس الجشعة موضوع قديم جديد مع أن هذا الغش خطير و يمكن أن يتسبب في وفاة المستهلكين بسبب تجاوز مدة الصلاحية أو التخزين غير المطابق للمعايير الصحية المطلوبة لكن و منذ نزلت ثورة 2011 البائسة في ربوع هذا الوطن المنكوب تحول موضوع الغذاء و ندرة المواد الغذائية إلى موضوع شائك و صعب الفهم و التحليل خاصة بعد أن تبين بالتحقيقات و القضايا و التصريحات أن هناك مافيات تتحكم في سوق الغذاء و الدواء على وجه الخصوص و أن الدولة قد أصبحت عاجزة عن مواجهة هذا الإخطبوط المعقد أولا لأنها لا تملك الإرادة السياسية و ثانيا لأن هناك تهم لبعض المسؤولين بالاشتراك في هذه المافيات و حمايتها من التفتيش و المساءلة و ثالثها لأن هناك لوبيات من السياسيين و بعض رجال الأعمال و الصحافة تحمي الفاسدين و باتت شريكا موصوفا و فاعلا في هذه الجرائم.
هناك أسئلة خطيرة يجب طرحها و من أهمها سؤال يتعلق مثلا بكم الأطنان التي يتم تسويقها و ضخها في الأسواق و المساحات المعدة لبيع الخضر و الأسماك و الدواجن من قبل منظومة تمرير الغذاء الفاسد و التي يستهلكها المواطن خلال السنوات التي تلت الثورة إلى الآن؟
الحكومة شاهد ما شافش حاجة
أين الرقابة الصحية و أين الردع و المحاسبة؟ لماذا انتشرت ثقافة الغش و بيع السموم؟ لماذا تعجز السلطة القائمة عن مواجهة الكارثة الغذائية و لماذا يغيب هذا الموضوع في كل الخطب و لا يتم الإشارة إلا إلى عناوين عامة؟ ماذا تنتظر الحكومة لتقديم الحل؟ هل تملك الأجهزة المعنية قاعدة بيانات لمتابعة مخازن المحتكرين و كشف الفلاحين الذين يتعمدون ري البقول و الخضر بالمياه الملوثة؟ هل باتت مافيا الأغذية عصيّة على التفكيك و المحاسبة؟ هل باتت الحكومة مجرد شاهد ما شافش حاجة ؟.
فى الحقيقة هناك مسؤولية للحكومة و هناك لامبالاة مفضوحة و هناك جهات باتت سلطتها و نفوذها أقوى من سلطة و نفوذ الدولة بل لنقلها بمنتهى الصراحة هناك اتهامات عديدة بأن السلطة لم تعد قادرة على التعامل الحازم مع كل الظواهر السلبية التي تنخر المجتمع التونسي.
هناك حقيقة مرّة يعلمها المواطن المسحوق تحت أقدام منظومة الأغذية الفاسدة و محتكري المواد الغذائية و هي إلى متى ستبقى أمعاء المواطن مكبّا لنفايات الأغذية المتعفنة و المنتهية الصلاحية؟ هل أن هناك من يقف وراء تسويق الأغذية و الأدوية الفاسدة و هل أن هناك مؤامرة قذرة و خفية تستهدف الدولة و المواطن و هل أن وزارة الداخلية لا تعلم حقيقة ما يحصل و لماذا لا تسارع أجهزة الرقابة إلى تقديم ملفات المحتكرين و تجار السموم و مافيات الأغذية الفاسدة إلى القضاء؟ هل بات ضروريا تحوير القوانين و إصدار قوانين رادعة من شأنها بعث الطمأنينة في نفس المواطن المستهلك و بالعكس بث الرعب في قلوب الفاسدين؟ هل صحيح ما يقال على أن مافيا الأغذية و اللحوم الفاسدة مكاسبها أكبر بكثير من مافيا تجارة المخدرات؟ هل بات ضروريا تشكيل مجلس أعلى للأمن الغذائي؟ لماذا تتكتم وزارة التجارة عن تقديم الأرقام الصحيحة المتعلقة بكميات الأغذية الفاسدة التي يتم إتلافها سنويا و لماذا لا يتم نشر قائمة أصحاب هذه الكميات مع قائمة العقوبات الزجرية التي تحصلوا عليها قضائيا.
انتشار المواد المنتهية الصلاحية
ليس سرا أن تجارة الأغذية الفاسدة تقوم على عدة حيل مختلفة من بينها التلاعب بتاريخ صلاحية البضاعة و هو تلاعب خطير كشفته بعض الأبحاث و التحريات و يدل على أن المافيا الغذائية تغيّر من أساليب نشاطها و عملها حتى لا يتم اكتشاف فساد ما تضخه في السوق و إذا توقعنا أن عملية التلاعب بتاريخ صلاحية الأغذية أو الأدوية من شأنها تعريض حياة الملايين من الأطفال الذي يستهلكون هذه المواد المنتهية الصلاحية بل من الممكن أن تتسبب لهم في أعراض و أمراض مزمنة فمن البديهي أن نطالب بقانون رادع بالشكل المطلوب و بمضاعفة جهد المواطن حتى يتجنب شراء هذه الأغذية الفاسدة.
ليس سرا أيضا أن نجاهر بأن الدولة قد فقدت سلطتها بشكل فاضح لأنه لا يعقل أن يتم تشغيل معامل السكر و إنتاج “زيت الحاكم” و السميد في حين يغيب إنتاجها تماما في كل مساحات البيع كما لا يعقل أن يتم توريد كميات محترمة من المواد الغذائية التي تتبخر في بعض ساعات على يد المهربين و المحتكرين.
كاتب و ناشط سياسي.