قراءة في مرسوم إحداث المجلس الأعلى للتربية أو حين تبدي السلطة رأيها في سياساتها

رغم أهمية وخطورة المرسوم عدد 2-2024 المتعلق بإحداث المجلس الأعلى للتربية والتعليم في تونس إلا أنه ضاع وسط الأحداث الانتخابية الوطنية والعالمية المتواترة. هذا المقال مجرد اجتهاد وقراءة موضوعيّة لمجلس خيب انتظارات عدد كبير من المختصين في مجال التربية و التعليم. و هذه هي الأسباب…

جمال سكراني

: بعد التنصيص على المجلس الأعلى للتربية والتعليم في الفصل 135 من دستور 2022، صدر بالرائد الرسمي عدد 113 الصادر بتاريخ 17 سبتمبر 2024 المرسوم عدد 2 لضبط تركيبته واختصاصاته وطرق تسييره حسب ما جاء في الفصل الأول من المرسوم. ورغم أهميّة هذا الخبر وخطورته إلاّ أنّ صدوره في سياق انتخابيّ مليء بالأحداث جعل التفاعل معه لا يتجاوز مستوى “الإخبار”. فإلى أيّ مدى يتطابق هذا المرسوم مع مقتضيات الدستور؟ وهل أنّ تركيبته وطرق تسييره تمكنه من آداء مهامه بكل استقلاليّة.

في دستوريّة المجلس واستقلاليته:

جاء في الفصل 2 من الباب الأوّل من المرسوم أنّ المجلس الأعلى للتربية والتعليم هو هيئة دستوريّة تتمتع بالشخصيّة القانونيّة والاستقلاليّة الماليّة. وحيث ورد في الفصل 75 من نفس الدستور أنّ النصوص المتعلقة بتنظيم الهيئات الدستوريّة تتخذ شكل قوانين أساسيّة، يمكننا ان نتساءل عن دستوريّة المجلس وقد تمّ تنظيمه بمرسوم من رأس السلطة التنفيذيّة.

وحيث أن دستور 2014 أكّد في فصله ال122 على ضرورة انتخاب أعضاء الهيئات الدستوريّة بأغلبيّة معزّزة ضمانا لاستقلاليتها عن السلطة التنفيذيّة وعملا على تعزيز دورها في دعم الديمقراطيّة، يترك دستور 2022 مسألة تعيين أعضاء المجلس للسلطة التنفيذيّة ممّا يجعل من استقلاليتها أمرا شكليّا وما يؤكّد أنّها ليست سوى هيئات عموميّة تابعة.

في تركيبة المجلس: مأسسة تضارب المصالح

يتكوّن المجلس حسب ما جاء في الباب الثاني من المرسوم من 4 هيئات. الهيئة الأولى وهي رئاسة المجلس والتي تتكوّن من سبع وزراء للقطاعات التي تمّ اختيارها وترتيبها على ما يبدو حسب علاقتها وتداخلها في منظومة التربية والتعليم. إلاّ أننا نلاحظ غياب القطاعات المعنيّة بمواجهة أثر الفشل في إدارة منظومة التربية والتعليم وانعكاساته الكارثيّة على المجتمع، وعلى رأسها وزارة الداخليّة وما تملكه من معطيات في علاقة بمواجهة المنقطعين عن الدراسة ومساهمتهم في ارتفاع معدّل الجريمة ووزارة الشؤون الاجتماعيّة وما تملكه من معطيات حول التزايد المرعب لنسب الأميّة 

أمّا الهيئة الثانية وهي الهيئة العليا للمجلس فتتكون حسب ما جاء في الفصل الرابع من المرسوم من نفس الوزراء مع سبع أعضاء من “ذوي الخبرة والكفاءة” يتم تعيينهم باقتراح من نفس الوزراء أيضا، إضافة إلى رئيس هيئة الخبراء ورئيس هيئة التقييم وممثلا عن النقابة الأكثر تمثيلا في القطاعات المذكورة. على الأرجح ستكون هذه الهيئة مليئة بموظفين عموميين يتم انتقائهم حسب الولاءات من نفس الوزارات المذكورة.

الهيئة الثالثة وهي هيئة “الخبراء” ونحن بلد الخبراء بامتياز وهم ينتشرون في كل أرجاء البلاد ويتكاثرون في كلّ الاختصاصات. تتركب هذه الهيئة من 14 عضوا مشهود لهم بالكفاءة. مشهود لهم من طرف من؟ من طرف لجنة يتم تعيينها من قبل نفس الوزراء المشرفين على القطاعات المذكورة. كما يتم تسميتهم ليس بأمر وإنما بقرار من طرف رئيس المجلس وهو أحد الوزراء المشرفين على القطاعات المذكورة.

الهيئة الرابعة وهي هيئة التقييم وما أدراك ما التقييم، ولكن أيّ تقييم؟ تقييم النتائج أم تقييم آداء المنظومة؟ ومن يقيّم؟ 9 أعضاء مشهود لهم أيضا بالكفاءة من طرف لجنة يعيّنها نفس الوزراء المشرفين على نفس القطاعات المذكورة وتتم تسميتهم ليس بأمر بل بقرار من رئيس المجلس وهو أحد الوزراء المشرفين عن القطاعات المذكورة.

ودون الخوض أو الإطالة في مهام وطرق تسيير المجلس والتي لا تتعدّى مجرّد إنشائيّات إداريّة رديئة وبالية كإعداد دراسات وتقييم سياسات وما إلى ذلك، فإن هذا المجلس المنسوب إلى الهيئات الدستوريّة هو مجلس غير دستوري وغير مستقل عن السلطة التفيذيّة وليس سوى امتداد للإدارة العموميّة الفاسدة الغارقة في تضارب المصالح. كما أنّه يتسبب في مزيد من النزيف لمقدرات الشعب عن طريق المنح والامتيازات وهو أيضا تاريخ مضحك مبكي حين تقوم السلطة التنفيذية بإبداء الرأي في سياساتها.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.