نظمت جمعية المرأة والمواطنة بالكاف يومي 21 و22 سبتمبر 2024 بتونس ندوة لتقديم دراسة تحت عنوان “حماية النساء ضحايا العنف بين النص والواقع” في كل من جهتي الكاف وتونس الكبرى حيث تأتي هذه الدراسة إثر مرور ستّ سنوات على دخول القانون 58 لسنة 2017 حيز النفاذ للوقوف على الإشكالات في تأويله وتطبيقه من قبل الجهات الأمنية والقضائية.
وتم في الدراسة اعتماد توجهين يتمثل الأول في تحليل النصوص القانونية المرتبطة بموضوع الحماية للتعرف على حدود تطبيقها في الواقع، في حين اعتمد التوجه الثاني على الاستماع إلى النساء ضحايا العنف من الجهتين (تونس الكبرى والكاف) بواسطة بحث ميداني أجرته الجمعية في مراکز التعهد بالنساء ضحايا العنف التابعة لكل من جمعية المرأة والمواطنة بالكاف والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات والجمعية التونسية للتصرف والتوازن الاجتماعي و خلية الإنصات بجمعية أصوات نساء لاستقصاء آرائهن والاطلاع على تجاربهن عند مواجهتهن لمخاطر العنف التي تهدد أمنهن أو سلامتهن والتعرف على العوائق والصعوبات الحائلة دون نفاذهن التام إلى العدالة وإلى الحماية حيث تم استجواب 20 ضحية عنف زوجي في الكاف و12 ضحية عنف زوجي في تونس الكبرى كما شمل الاستجواب أيضا محامين ومحاميات نبن في مثل هذه القضايا إضافة إلى تجميع 25 قرار حماية صادر عن مختلف المحاكم الابتدائية بتونس الكبرى و26 قرار حماية صادر عن المحكمة الابتدائية بالكاف.
وخلصت الدراسة إلى مجموعة من الإخلالات التي من بينها عدم احترام الوحدات المختصة للبعض من التزاماتها القانونية كإعلام الضحايا بحقوقها أو إمضاء المحاضر دون تلاوتها أو قراءتها من قبل الضحايا وسوء تقدير المخاطر في بعض الحالات، وكذلك الأمر على مستوى تطبيق وسائل الحماية الأمنية التي أكدت الجمعيات والمحامون على ندرة تطبيق وسيلة الإبعاد عن المسكن العائلي من قبل الفرق المختصة خاصة بجهة تونس كما أن النساء المستجوبات في هذه الجهة يجهلن وجودها.
اما بالنسبة لإصدار قرارات الحماية القضائية من قبل قضاة الأسرة في تونس والكاف، فإن أغلب مطالب الحماية تقوم على التدابير ذات الصبغة المعاشية وطلب الحضانة ويتم قبول مطالب الحماية في أغلب الحالات عند وجود عنف ثابت إضافة إلى أن قرارات الحماية في كل الولايتين تصدر في آجال لا تحترم صبغة الاستعجال والتأكد إلا فيما ندر.
إن حماية النساء وتطبيق آليات الحماية تقتضي تكوين القضاة والأمنيين تكوينا مستمرا و رسكلتهم في مجالات مختلفة من بينها أساسا خصوصية العنف الزوجي ودينامكيته وإستراتيجية المعنف وآثار العنف على نفسية الضحايا وسلوكياتهن وكيفية تقدير المخاطر، لذلك جاءت الدراسة بمجموعة من التوصيات في جانب التكوين من أهمها ضرورة التكوين المستمر والإجباري لكل القضاة والأمنيين (من وحدات مختصة وفرق الاستمرار) على مسالة العنف ضد النساء وعلى القانون عدد 58 وتكوين قضاة الأسرة على كيفية اتخاذ قرارات الحماية مع تعميم أداة تقييم المخاطر وإجبارية اعتمادها من قبل الأمن وقضاة الأسرة وتكوينهم حولها.
كما قدمت الدراسة أيضا توصيات في الجانب القانوني من بينها إضافة تدابير أخرى كالمعالجة النفسية والاجتماعية لمرتكب العنف مع تنقيح الفصل 26 من القانون 58 فيما يخص الإبعاد عن المسكن العائلي بالتنصيص على تنفيذه فورا من قبل الفرقة على المعتدي إضافة إلى ضرورة وضع مدة قانونية للحكم في تدبير الحماية.
تندرج هذه الدراسة ضمن مشروع “التصدي لظاهرة العنف والوقاية من تقتيل النساء” الذي تشرف عليه جمعية المرأة والمواطنة بالكاف بدعم من منظمة “دانر”، وهو عمل تقوم به الجمعية طيلة سنوات بجهة الكاف أفرز مجموعة من الممارسات فضلى ليس لها نظير على مستوى تونس الكبرى عبر إنشاء شبكة ديناميكية وتفاعلية بين مختلف المتدخلين على المستوى المحلي كما لعبت الجمعية دورا قياديا على مستوى التنسيقية الجهوية بولاية الكاف وهي التنسيقية الوحيدة التي أفرزت أدوات وآليات عمل تساعد على حماية النساء ومن أهمها بلورة سلم تقييم المخاطر وتدريب المتدخلين على اعتماده.