لعل أهم الملاحظات بعد قيام الكيان الصهيوني باغتيال الشهيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني أول أمس الجمعة 27 سبتمبر 2024 أن هناك إجماع لدى هذا الكيان نفسه أن عملية الاغتيال و لئن استهدفت شخصية قيادية من الطراز الأول و خصما عنيدا فإنه ستكون لها تبعات و ارتدادات و حالات عنف و انتقام غير مسبوقة منذ انطلاق تكوين حزب الله سنة 1990.
أحمد الحباسي
دولة الأحتلال تدرك اليوم بالذات أنه بارتكابه المجزرة التي أدت بحياة الأمين العام لحزب الله و بعض القيادات و الرفاق قد رفع عن المقاومة العربية في لبنان و بعض الدول العربية الأخرى الحرج أو ما يسمى بحالة ضبط النفس و وفر لهذه المقاومة بنك أهداف مفتوح يجعلها تستهدف كل القيادات الصهيونية و كل من له علاقة من قريب أو بعيد بمساندة الكيان و على رأسهم الشيطان الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية و بعض الدول الخليجية المتآمرة على المقاومة.
الكل مجمعون اليوم على أن القضاء على نصر الله لن ينهي دور المقاومة و دور حزب الله بالذات لأن الحزب كيان إيديولوجي يقوم على مفهوم الفكر و ليس على دور الشخص بدليل أن الحزب قد استشهد فيه كثيرون من كبار القادة مثل الشيخ صبحي الطفيلي و عباس الموسوي و عماد مغنية و لكنه استمر بأكثر عنفوان و شراسة.
ربما اتخذ رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتانياهو قرار تنفيذ عملية الاغتيال و ذهب في ظنه أن اغتيال السيد حسن نصر الله سيحسب له انتصارا يجنبه المحاكمة التي تنتظره هو و عائلته بتهم الفساد و استغلال النفوذ و هو انتصار خسيس لم يستطع انتزاعه من المقاومة الفلسطينية في غزة بقيادة يحي السنوار رغم حجم الدمار و أعداد الشهداء الذين سقطوا تحت ضربات الطائرات العسكرية دون أن يتمكن من استرجاع الأسرى المحتجزين لدى المقاومة منذ قيامها بذلك الإعجاز العسكري الذي أطلق عليه اسم “عملية طوفان الأقصى” و الذي كشف هشاشة ما يسمى بجيش الدفاع الصهيوني و مخابراته المدنية و العسكرية التي يتباهون بها على مدار السنوات.
لا أحد يهتم فعلا بأصوات بعض وسائل الإعلام الخليجية التي أعلنت شماتتها و سرورها بتنفيذ عملية اغتيال الشهيد حسن نصر الله و لكن من المؤكد أن الكيان الصهيوني سيدفع الثمن غاليا و لن يقدر العدو على إبقاء مواطنيه القتلة مختبئين في الملاجئ طول الوقت.
حزب الله سيظل رقما صعبا في المعادلة
ليس سرا أن الشهيد حسن نصر الله و منذ توليه قيادة الحزب اثر اغتيال إسرائيل للشيخ عباس الموسوي قد أصبح اللاعب الرئيسي و الأساسي في المشهد السياسي اللبناني و جعل من الحزب رقما صعبا و ذا تأثير مباشر و قوى على مستوى لبنان أو فلسطين أو سوريا أو العراق و لذلك من الخطأ أن يفكر الاحتلال في أن عملية اغتياله ستقضى على وجود الحزب أو تشتته أو تفتته أو تنهى دوره المحوري في مواجهة الكيان النازي الغاصب.
ليس سرا أيضا أن الشهيد قد بحث عن الشهادة في أكثر من مناسبة متحديا المتابعة الاستخبارية الأمريكية الخليجية الصهيونية و كانت إطلالاته المباشرة في عديد المناسبات تشكل عبئا كبيرا و شاقا و خطيرا على أفراد حمايته الشخصية و لذلك نؤكد أن الشهيد كان يتصرف على هذا الأساس مسخرا كل طاقته لتركيز دعائم الحزب على كل المستوى ليجعل منه رقما صعبا على المستوى التدريبي و التسليحى و التنظيمي و العملياتى.
لعل هناك من يقول ان عملية الاغتيال قد تدفع قيادة حزب الله القادمة الى تغيير قواعد اللعبة فى الصراع بتطوير أساليب جديدة قادرة على إنهاك القوة العسكرية الصهيونية و استغلال حالة الإحباط لدى الشارع الصهيوني الذي تعب من مواصلة الحرب.
امتنعت الجامعة العربية على رفع الصوت حتى بتكرار واحد من بياناتها الركيكة التي تطرحها في كل اعتداء صهيوني و رفض أغلب حكام العرب إصدار مجرد بيان تنديد بعد أن تعذر العثور على بيان مقبول و غير مثير للغضب الصهيوني لا يتضمن اسم الشهيد حسن نصر الله أو اسم الحزب لذلك لن ينتظر أحد من هؤلاء الحكام تنكيس الإعلام أو إعلان الحداد أو المساهمة في إغاثة لبنان.
اللافت أن وسائل إعلام الخليج و على رأسهم طبعا و كالعادة قناة العربية و قناة سكاى نيوز عربية قد عبرت باعتبارها لسان حال أنظمتها المتآمرة على سرورها و تفهمها و سعادتها باغتيال الشهيد حسن نصر الله معتبرة أن المقاومة قد انهارت و أصيبت في مقتل.
لم تكتف هذه الوسائل الرخيصة بذلك بل حاولت بتسخير قوافل من المحللين و فيهم محللون صهاينة للإيحاء بوجود خيانة إيرانية سهلت عملية اغتيال الشهيد و رفاقه و هو أمر لا يصدقه إلا هؤلاء بل هناك من يعتبر أن عملية الاغتيال ما كانت لتتم لولا وجود خيانات لأجهزة مخابرات خليجية و تواطىء بعض الجهات اللبنانية المعروفة بعدائها المعلن للمقاومة.
سقوط أنظمة التطبيع العربية
من الواضح أن عملية اغتيال شخصية بحجم الشهيد حسن نصر الله هي زلزال و صدمة لكن من الثابت أيضا أن الحزب قادر على لملمة جراحه سريعا و بأقل وقت، هذا الأمر ليس خافيا لا على الأصدقاء و لا على الأعداء و لعل الجميع سيكتشفون قريبا دورا إيرانيا بالغ التعقيد و الأهمية لغاية محو كل الآثار السلبية التي يتم اكتشافها تباعا و التي أدت إلى تحديد مكان الشهيد و استهدافه بتلك القوة النارية غير المسبوقة.
ستقوم سوريا و إيران و أطراف أخرى بدور كبير رغم الظروف الصعبة لكشف المتواطئين و العملاء و ستكون هناك حرب بلا هوادة ضد كل العملاء الذين استعان بهم الكيان لمتابعة التحركات القليلة للشهيد.
فى هذا السياق لا يجب أن نتجاهل سيول كميات التعاطف العربي الشعبي غير المسبوق و حالة الغضب ضد الكيان رغم كل الحملات الإعلامية الخليجية المسعورة التي كشفت مرة أخرى حجم سقوط كثير من الأنظمة العربية التي اختارت التطبيع مع الكيان الصهيوني بدل السعي لإنقاذ القدس و تحرير فلسطين.
كاتب و ناشط سياسي.