أيام قليلة تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية التونسية التي ستجري في السادس من أكتوبر الجاري، ولا حديث إلى حد الآن عن تأجيلها أو إلغائها، ويبدو أن المنافسة بين المترشحين لم تكن حادة ولا جادة، وأن زخم الانتخابات لهذه السنة قد هدأ إلى حد كبير، لأسباب كثيرة منها أن المرشح الأوفر فيها وهو السيد قيس سعيّد لا يحظى بالأصوات التي حظي بها في الانتخابات السابقة التي جرت في أكتوبر 2019.
فوزي بن يونس بن حديد
ومن أسباب بعض العزوف المنتظر نذكر التغييرات الجوهرية التي قام بها الرئيس المنتهية ولايته في الهيكلية السياسية للدولة حيث ألغى البرلمان وأقال الحكومة وتدخل في كل فروع الدولة وأصولها بعد الخامس والعشرين من جويلية 2021، وحوّل النظام من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، وبعد الاستياء الكبير من الأحزاب السياسية والمرشحين المفترضين للانتخابات الرئاسية 2024م، فانبرت هذه الأحداث لتكون حاجزا أمام فوزه الساحق في الدورة المقبلة.
يمكن أن نذكر أيضا أن منافسيْه في الانتخابات المقبلة، وهما السيدان زهير المغزاوي والعياشي زمال (وهو في السجن منذ شهرعلى خلفية قضايا سياسية) ، لا يحظيان بشعبية كبيرة وليست لهما الكاريزما اللازمة لجذب الناخبين، وليس لهما برنامج سياسي واضح لمنافسة الرئيس الحالي الذي يحاول جاهدا الحصول على الأصوات الكافية التي تخول له البقاء في سدة الرئاسة لخمس سنوات قادمة، ومن الطبيعي لأي رئيس فاز في انتخابات الرئاسة وله برنامج سياسي، سيسعى بكل قوة للبقاء حتى يواصل مشواره ويحاول التقاط أنفاسه، ويبدو أن فترة السنوات الثلاث الأخيرة لا تكفي لبلورة تغيير على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولكنها كافية لتقديم إشارات إيجابية للشعب التونسي أن هناك تغييرا ما يلوح في الأفق، ومن ثم على الرئيس الحالي تغيير استراتيجيته وتعامله مع الأطياف السياسية المختلفة حتى ينجح في الفترة القادمة إن فاز في هذه الانتخابات.
ضرورة إشراك الأطياف والأحزاب والمنظمات
وقد لا تتوافر لديه الأغلبية المريحة في الجولة الأولى، وقد يخسر الرهان من الجولة الأولى، لكنه لن يفوز على الأغلب من الجولة الأولى،
وسنضطر إلى جولة ثانية قد يفوز فيها بفارق بسيط جدا، وهي رسالة من الشعب التونسي أن يعمل على تغيير خطته السياسية ويحاول إشراك
الأطياف والأحزاب والمنظمات ولا يستمع لصوت واحد، لأن فترته الأولى أرهقته كثيرا في التعبير عن المؤامرة التي كان دائما يتحدث عنها
ويسوّق إليها بأنها كانت وراء تدمير تونس من الداخل بعد الثورة التي جرت في 2011م، ومن ثم إذا أراد أن ينجح السيد قيس سعيّد في الجولة
الثانية لا بد له من تقديم وإرسال إشارات إيجابية جدا للشعب التونسي، حتى يهدأ الشارع ويبحث عن الحلول الممكنة لتجاوز كل المشكلات التي
كبّلت البلاد وجعلتها تئن تحت وطأة الصراعات.
المسار الديمقراطي في تونس فقد وهجه
ولا نستطيع أن نطلق على هذه الانتخابات بأنها حرة ونزيهة وديمقراطية بالمفهوم المطلق، وإنما نستطيع أن نقول إنها انتخابات تيوقراطية لا تستند إلى حقائق سياسية واضحة بالنظر إلى المرشحين السياسيين لها وعمل هيئة الانتخابات في ظروف استثنائية تستدعي النظر بجدية في
ملفات كل مرشح واستحقاقه أن يكون مرشحا لرئاسة تونس في الفترة المقبلة، وعلى هذا ما تفرزه هذه الانتخابات من نتائج وما ستشهده من
إقبال ضعيف عليها في الجولتين ينبئ بأن المسار الديمقراطي في تونس بدأ يفقد وهجه وعلى الرئيس القادم إذا أراد لتونس التقدم والازدهار
والخروج من هذه المحن أن يسلك سلوكا مخالفا لما كانت عليه الدولة في السنوات الماضية، وأن يحافظ على المكتسبات الحالية، وإن كانت في
نظر البعض لا تعدو أن تكون شكلية.
فالنظام الرئاسي في تونس هو السبيل الوحيد لتجنت الصراعات الحزبية، وإشراك الأحزاب السياسية في العملية السياسية ضرورة حتمية، لأن
النظام البرلماني أثبت فشله في تونس بعد الذي حدث طوال عشر سنوات تلت أحداث 2011م، لكن الذي ينبغي أن يكون هو أن يقوم رئيس الدولة بتنظيم العمل بالنظام الرئاسي ولا يُشعر الشعب بأنه يمارس السلطة بطريقة فجّة ودكتاتورية، ولا يُشعر الأحزاب بأنه يُقصيها من المشهد السياسي حتى تمضي العجلة السياسية في مسارها ولا تتوقف الحركة*
الاقتصادية بالبلاد، وتنتهي لغة المؤامرة بين أطياف الشعب الواحد، وتسير القافلة في طريق واحد لا عوج فيه ولا أمتا.
شارك رأيك