هذه الدراسة لقسم العدالة البيئية والمناخية للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تسلط الضوء على مظاهر الهشاشة البيئة والمناخية للنساء في تونس من خلال دراسة حالات من الهشاشة في جهات مختلفة من البلاد. تظهر نتائج الدراسة أن النساء يتأثرن بشكل متكافئ بالأزمات البيئية والمناخية وذلك نتيجة لوضعيات الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية القائمة على الموروث الثقافي والصورة النمطية لدور النساء داخل الأسرة. (الصورة : مربية أبقار بالمهدية).
كشفت دراسة الحالات بكل من غابة عين دراهم والمناطق الريفية في المهدية و السقدود أن النساء من هذه البيئات المختلفة والمهمشة يعانين بدرجات متفاوتة من تأثيرات التغير المناخي المتمثلة خاصة في نقص التساقطات و موجات الحر والجفاف وتراجع الغطاء النباتي مما عزز من تدهور الوضعية البيئية و بالتالي وضع الهشاشة الذي تعيشه خاصة النساء اللاتي يعتمدن بشكل أساسي على الماء والموارد الطبيعية لتحقيق سبل عيشهن.
النساء في غابة عين دراهم والمهدية والسقدود
في غابات عين دراهم أثرت الحرائق التي لحقت بالغابات في السنوات الأخيرة على النساء اللاتي يعملن في مجال تقطير النباتات الطبية والعطرية، حيث تسبب تراجع الغطاء النباتي الغابي في مضاعفة مشقة جمع وتقطير النباتات وعمق الصعوبات الاقتصادية للنساء الناشطات صلب مجامع التنمية الفلاحية وذلك بعد تراجع الغطاء النباتي لأكثر من الثلثين، خاصة خلال الخمس سنوات الأخيرة.
أما في مجال تربية النحل فقد أدى ارتفاع درجات الحرارة الى 50 درجة في أوت 2021 إلى احتراق 90 خلية للنحل في بني مطير، كما أن التغيرات المناخية ساهمت بشكل كبير في انتشار الأمراض التي تصيب النحل مما دفع بالكثير من مربيات النحل الى التخلي عن نشاطهن. من جانبهن تخلت مربيات البقار في غابة عين دراهم عن صناعة الأجبان بعد أن نقصت كمية الحليب المتوفرة بسبب تراجع المراعي وصعوبات توفير الأعلاف.
ويختلف واقع المربيات للماشية بولاية المهدية عن نظيراتهن بعين دراهم حيث يعتبر نقص وغلاء الأعلاف الناتج عن قلة الأمطار المشكل الأكبر الذي تواجهه هذه الفئة بما أن قرابة %80 من تكلفة الإنتاج موجهة الى شراء العلف كما أن موجة الجفاف قد أثرت على مساحة الزراعات العلفية مثل الفصة والسلة التي تراجعت وطنيا من ,9427 ألف هكتار سنة 2012 إلى 386 ألف هكتار سنة 2021 كما أصبح من الصعب إيجاد بديل للعلف المركب مما دفع بعدد من الفلاحات لبيع بقرة كل عام من أجل توفير احتياجات بقية القطيع وتحقيق سبل العيش الكريم لهن ولعائالتهن. وتتميز مربيات البقار بالمهدية بكبر السن حيث أن ثلثهن (%71) قد تجاوزال60 عاما، وتعانين من أمراض عديدة ووضعيات اجتماعية صعبة دون أي تغطية اجتماعية أو صحية. وهو ما يفاقم وضعية الهشاشة التي يعشنها.
أما نساء السقدو د بمعتمدية الرديف من والية قفصة، فقد أدى غياب الماء إلى فقدان حقهن في الصحة والتعليم ، عبر الحرمان من خدمات الرعاية الصحية بسبب الانقطاع المستمر للمياه عن المستوصف المحلي والمدرسة الابتدائية.
وحسب الاستبيان الميداني، فإن نسبة أكثر من 90 باملئة من النساء المستجوبات بالسقدود أكثر عرضة للمضاعفات الصحية مقارنة بغيرهن من النساء اللاتي يتمتعن بحقهن في الماء.
كما تبلغ نسبة النساء اللاتي يعانين من الأمراض الجلدية والحكة %30 باللإضافة الى أن 30% منهن يعانين من اللاتهابات والأمراض التناسلية في حين تعاني %40 من نساء السقدود من التهاب المجاري البولية وأمراض الكلى.
هذا ولا تتمتع النساء في المنطقة بظروف ولادة آمنة ولا بالمراقبة والمتابعة الطبية اللازمة والمستمرة أثناء فترة الحمل. كما لا يتلقين العلاج الطبي اللازم أثناء الإصابة ببعض الأمراض النسائية.
أما فيما يتعلق بغياب الماء في المدارس، فتجبر عديد التلميذات على الامتناع عن شرب الماء أثناء التواجد داخل المدرسة وذلك لتجنب استعمال الوحدات الصحية التي يغيب فيها الماء، ويصل الأمر بالكثير منهن كما أفادتنا به أمهاتهن إلى رفض الذهاب إلى المدرسة لعدم قدرتهن على التحمل في حال احتجن إلى دورات املياه.
كيف نساعد النساء في مواجهة التحديات البيئية والمناخية
أبرزت دراسة الحالات وضعية الهشاشة المركبة البيئية و الاقتصادية و الاجتماعية التي تعاني منها النساء في مناطق مختلفة من البلاد في ظل غياب برامج وتشريعات تعزز صمودهن في مواجهة التحديات البيئية والمناخية المتزايدة. وعليه، فان المنتدى التونسي للحقوق الاقتصاديةوالاجتماعية يدعو من خلال هذه الدراسة إلى:
– تعزيز السياسات العامة والمبادرات المجتمعية لدعم النساء خاصة في المناطق الريفية.
– سن تشريعات تأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الخاصة بالنساء مع تكييف الاستراتيجيات وخطط العمل مع هذه الاحتياجات من أجل ضمان مقاربة عادلة وناجعة للحد من وضعية الهشاشة البيئية والمناخية للنساء في تونس.
– ضرورة أن يتبنى مختلف الفاعلين والمتداخلين في الشأن التنموي خاصة في الأرياف تمشيا مستداما ومنسجما مع الواقع المعيشي للنساء.
– دعم قدرة النساء على مواجهة التحديات المناخية والبيئية عن طريق برامج تدريبية تشمل تطوير قدراتهن في استخدام التكنولوجيات الحديثة، وبرامج التكوين و الدعم الاقتصادي.
– تعزيز صمود النساء في الأرياف في مواجهة التغيرات المناخية والحفاظ على مصادر رزقهن وذلك عبر تفعيل ما جاء في الخطة الوطنية للمرأة والتغيرات المناخية الصادرة سنة 2023 عن وزارة المرأة وخاصة في علاقة بالدعم الاقتصادي لنساء الأرياف.
– توفيرالتغطية الاجتماعية والصحية اللازمة للنساء العاملات في مختلف المجاالت وخاصة في المجال الفلاحي.
– تعزيز الصمود المناخي للنساء الفلاحات وذلك بدعم الممارسات الزراعية المستدامة والمتأقلمة مع أزمة الجفاف ونقص الأمطار إضافة الى تبني مقاربة النو ع الاجتماع في استراتيجيات مكافحة التغير المناخي.
– العمل على تحسين البنية التحتية لشبكة توزيع المياه٫ مع الحرص على توفيره في جميع المؤسسات الصحية والتربوية لا سيما في الأوساط الريفية والمناطق المحرومة من الحق في الماء.
شارك رأيك