انتهى مسلسل الانتخابات وفاز مرشح السلطة السيد قيس سعيد و تربع مرة أخرى لمدة خمسة سنوات على كرسي الرئاسة الذي فعل كل شيء ليحصل عليه و يستمر في البقاء فيه.
بقلم أحمد الحباسي
حين أشرنا إلى أن الفائز هو السلطة لم يكن هذا من باب الخطأ لأن الرجل يدعي أنه لا يملك حزبا و عليه فإنه يمثل السلطة التي انتزعها لنفسه بقوة المراسيم و بكثير من المناورات الفاقدة لروح الديمقراطية و من بينها على سبيل المثال مصادقته على تغيير مرجع نظر المحكمة الإدارية في خصوص النزاعات الانتخابية في آخر ساعات قبل الصمت الانتخابي و هو تصرف عقابي لهذه المحكمة التي طالما كانت مفخرة كبرى للقضاء التونسي بسبب إصدار أحكام قضائية مغايرة لشهوات و نزوات الهيئة العليا للانتخابات التي باتت تشكل محل تساؤل في المسار الديمقراطي الذي دفع المئات دمهم لتكريسه و بعثه للوجود بعد سنوات من الصوت الواحد و الحزب الواحد.
انتهى المسلسل لأن ما حدث منذ فترة و خاصة منذ تحديد تاريخ الانتخابات الرئاسية لا يخرج عن إطار الكوميديا السوداء التي امتنعت أغلبية التونسيين حسب إحصائيات الهيئة العليا للانتخابات عن حضورها معبرة بذلك عن إحباطها و عدم رضاها على ما حدث و يحدث من إخلالات و أخطاء لن نصف ما حدث بالانتخابات و لن ندخل في مقارنات مع الدول المتقدمة وحتى بعض الدول الإفريقية كما لن نتجرأ على مناقشة أو الشك فيما قدمته هيئة الانتخابات ليلة أمس من بيانات حول نسبة المشاركة و عدد المقترعين و ما وصفه رئيس الهيئة السيد فاروق بوعسكر “بسلاسة الانتخابات” فما حصل في هذه الانتخابات قبلها و حينها مثير للتساؤلات بطبعه لأن رئيس الهيئة موضوع عديد التشكيات و الاتهامات و من بينها على سبيل أنه “ابن الرئيس” الذي فعل كل شيء ليمهد لهذا الأخير البقاء “بسلاسة انتخابية” غير مسبوقة لقصر قرطاج.
بيعة انتخابية بالحد الأدنى من المنافسين
يؤكد بعض الملاحظين أن ما حصل لم يكن انتخابات رئاسية شفافة و نزيهة تم فيها احترام جميع المعايير الأخلاقية و السياسية و الإدارية بل كانت مجرد فرصة استغلها الرئيس المنتهية ولايته لفرض بيعة انتخابية و لو بالحد الأدنى من المنافسين و باستعمال كثير من الأساليب الملتوية.
لقد فعل السيد الرئيس كل شيء للوصول إلى غايته بما في ذلك المجازفة بتنفير التونسيين من كل ما له علاقة بالانتخابات الأمر الذي انعكس على نسب التصويت المتدنية جدا و جعل نتيجة هذه الانتخابات مثار سخرية الجميع الذي أجمعوا على وصفها بالمسرحية.
فى كل بلدان العالم تمثل الانتخابات فرصة ذهبية للقوى الديمقراطية بما فيها المرشحين المستقلين لممارسة دورها الطبيعي والمطلوب ديمقراطيا في المعارضة و تقديم البدائل و المشاركة في هذا الاحتفال الديمقراطي الكبير لكن كل شيء من هذا لم يحصل بحيث تم تسخير وسائل الإعلام الرسمية و مجلس النواب و الهيئة العليا “المستقلة” للانتخابات و محاكم الحق العام و بعض الأصوات الإعلامية المثيرة للجدل و السخرية و لفيف من المواقع الالكترونية المشبوهة التمويل لفرض صيغة خطاب رئاسي ممل و مطنب في الشعبوية و في غياب المضمون ساهم في تصاعد نسبة نفور الأغلبية و عزوفها بنسبة مزعجة وصلت إلى حدود 70 في المائة و هي نسبة امتناع غير مسبوقة في كل دول العالم ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية و على سبيل المثال و التي يوجد بها عزوف انتخابي لا تصل فيها نسبة الامتناع 54 في المائة.
هذا مؤشر صريح لم يستطع السيد فاروق بوعسكر إخفاءه أو تبريره و هو رقم محرج للرئيس الفائز و لكل الطواقم المختلفة التي سخرها لدفع الناخبين للحضور و التصويت بما يؤكد للمتابعين أن هذا الغياب المتوقع هو إفراز لعملية إحباط واسعة و غير مسبوقة لم تعد ترى أن ما يحصل منذ انتخاب الرئيس المنتهية ولايته مثيرا للاهتمام أو قادرا على إنقاذ الاقتصاد و التأثير في نسبة البطالة أو القضاء على بؤر الفساد.
مسرحية رفض الكثير المشاركة فيها
لقد تعود الناس على ما يسمى بالتصويت العقابي (vote sanction) حين تنتقل الأصوات الانتخابية من شخص فقد الناخب ثقته فيه إلى مرشح آخر لكن ما حصل هذه المرة هو تصويت عقابي يتمثل في امتناع أغلبية كبيرة و غير مسبوقة من الإدلاء بصوتها للمرشح الوحيد تقريبا و الذي فعل كل شيء لتوفير فرص لانتخابه متجاوزا كل الخطوط.
من المؤكد أن الرئيس قد وصل إلى كرسي الرئاسة مرة ثانية و من المؤكد أن هناك من وجد نفسه بين المطرقة و السندان فخيّر النأي بنفسه عن وجع الرأس و تعريضه نفسه و عائلته لكثير من المشاكل المزعجة كما أنه من الواضح أن السيد فاروق بوعسكر قد وصل إلى النتيجة التي فعل كل شيء ليصل إليها و هي حصول “انتخابات سلسة” و نفس الشيء لبعض القضاة الذين خيّروا تطويع القانون على مخالفة المؤجر و لعله من البيّن للمتابعين اليوم أن تونس قد خسرت مرة أخرى فرصة أخرى لبناء قاعدة ديمقراطية صلبة تعد الضمانة الكبرى لمواجهة انحرافات السلطة.
من المعلوم و الثابت أن السعي للسلطة بأساليب غير ديمقراطية لن يمرّ و لن يدوم طويلا لأن من عادات الشعوب الحرة لفظ الأجسام الغريبة بسرعة و لذلك فمن المؤكد أن الرئيس قيس سعيد قد فرط على التونسيين فرصة ذهبية أخرى لممارسة الديمقراطية بحيث باتوا يشعرون أن ما يحصل هو مسرحية رفض عدد كبير منهم المشاركة فيها و ذلك أضعف الإيمان.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك