الاتحاد العام التونسي للشغل، هذه القلعة التي تنهار 

صرنا لا نسمع صوتا قادما من  مقر الاتحاد العام التونسي للشغل أو بقية دكاكينه الفرعية كما لم يعد هناك من يسعى أو يريد أن يكتب عن الاتحاد و لعل هناك في بعض الأحزاب الكرتونية من اختار خاصة بعد إعادة انتخاب الرئيس قيس سعيّد أن  يفصل خط التواصل الخفي بينه و بين هذه المنظمة و قيادتها التي باتت في  مرمى تصويب الرئيس و غضبه.  

 بقلم أحمد الحباسي  

اليوم يجد الاتحاد نفسه معزولا عن قواعده الصامتة المرتعشة و معزولا عن  بقية المنظمات الوطنية و ممنوعا من تخطي عتبة أبواب قصر قرطاج و في كل الأحوال تعيش قيادة الاتحاد المتنافرة حالة من الخوف و جريان الجوف بعد أن تبين للبعض أن ساعة الحساب قادمة و أن هناك  في السلطة من يبحث في الدفاتر القديمة عن كل تجاوز أو فساد أو استغلال نفوذ حتى يفتح باب المحاسبة على مصراعيه لمساءلة بعض القيادات المحلية و الجهوية ممن شملتهم الاتهامات عن حق أو عن باطل  بكونهم تجاوزوا كل الحدود سواء على مستوى تبذير أموال الاتحاد أو استغلال نفوذهم فى مجالات متعددة.

يبدو من عديد المؤشرات الخطيرة و المعبرة  لعل أهمها حالة القطيعة التامة بين الرئيس قيس سعيد و السيد نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل أن هناك ما يطبخ لقيادات الاتحاد و على نار هادئة كما يبدو أن الرئيس و بعد أن دان له الملك و أفسح المجال لنفسه ليمارس السلطة دون حسيب أو رقيب خاصة بعد أن وقع تأجيل ترسيخ المحكمة الدستورية إلى أجل غير مسمى قد بات يفكر جديّا هذه المرة في كيفية معالجة ملف قيادات الاتحاد المتعلقة بشبهات الفساد  بالتوازي مع تفكيره في كيفية إعادة هيكلة الاتحاد أو  تعويضه بصيغ أخرى  في سياق إحكام التصرف في ممتلكاته و أمواله التي باتت تشكل لغزا محيرا سواء بالنسبة للمنخرطين أو بالنسبة للسلطة أو الملاحظين.  

الاتحاد لم يعد له صوت مسموع

الظاهر على كل حال  أن عهد  الإفراط في استعمال حق الإضراب و رفض الاتحاد محاسبة بعض الفاسدين و استغلاله لما تعانيه البلاد و بالذات بعد “الثورة” لفرض بعض الزيادات القطاعية المشطة و الغير مبررة أحيانا قياسا لما تعانيه خزينة الدولة من انعدام السيولة المالية بعد أن تم نهب ما فيها من أموال و ودائع مقابل التعويضات الخيالية التي فرضتها حركة النهضة قبل سقوطها من الحكم قد انتهى و تنطبق عليه مقولة الرئيس بأنه لا عودة نهائيا للوراء.

 لعله من المثير للانتباه أن الاتحاد لم يعد له صوت مسموع فى الشارع و لا داخل الهياكل النقابية بل لنقلها صراحة أن قيادة الاتحاد نفسها و أمينه العام بالتحديد قد بات فى مرمى تصويب عديد من القيادات النقابية و عدد المنخرطين الذين باتوا يرون فيه  المشكلة و ليس الحال بل هناك من يؤمن أنه كان على الرجل أن يغادر الاتحاد طوعا و لو من الباب الصغير حفظا لماء الوجه بعد أن عجز تمام العجز عن فرض الاتحاد كقوة نقابية لا يمكن القفز عليها أو عزلها عن نشاط المطلبية النقابية.  

من الواضح أن قيادات الاتحاد التي تعودت على فرض مطالبها و لو بالتلويح بالإضراب العام و التي كانت تمعن في مطالبها التعجيزية لغايات انتخابية داخلية قد فوجئت هذه المرة كما فوجئ  كثير من الأحزاب و المنظمات “بصحة رأس” الرئيس قيس سعيد و رفضه التام للتفاوض و استعداده لفتح ملفات الفساد التي تتعلق ببعض القيادات المحلية و الجهوية و التي شكلت لسنوات مراكز قوى  تواجه هيبة الدولة بكثير من التعالي و الاستخفاف.

هل تملك السلطة ملفات فساد جدية ؟

لقد تغيّر المشهد كليّا بعد ما يسمى بقرارات ليلة 25 جويلية 2021 أو بمسار 25 جويلية و بعد أن كانت كل الحكومات منذ الاستقلال تضع في حسبانها الثقل الاجتماعي للاتحاد نظرا لما يملكه من قاعدة شعبية و تسعى دائما لتشريكه في رسم السياسة الاقتصادية و الاجتماعية للدولة سعيا لترسيخ مناخ اجتماعي سليم و سلم اجتماعية مطلوبة لتحفيز الاستثمار و ترفيع نسبة الإنتاجية جاءت السلطة الجديدة بمفاهيم و أفكار مغايرة تماما تنفذها بقوة الأمر الواقع دون اكتراث لحالات التململ بين قيادات الاتحاد الذين تعودوا على خوف الحكومات لا أن تتحول حكومة الرئيس الواقع إعادة انتخابه إلى سلطة القرار الواحد الذي لا يرى في الاتحاد إلا  مجرد دكان منهار لا يختلف كثيرا عن حالة مجلس نواب الشعب المقال الذي تم إسقاطه و التخلص منه ليلة 25 جويلية 2021.

ما حصل للاتحاد اليوم لا يختلف لما حدث لحركة النهضة بالأمس القريب بل هناك من يوجه الاتهامات للأمين العام للاتحاد بكونه سبب البلاء تماما كما وجه أصحاب عريضة المائة تلك الرسالة التاريخية محملي الشيخ راشد الغنوشي مسؤولية انهيار الحركة.

صحيح أن بعض القيادات النقابية قد طالبت بمحاسبة الفاسدين لكن بالمقابل هناك أغلبية تتهم السلطة بكونها لا تملك ملفات فساد جدية و كل ما في الأمر أنها تسعى لاختلاق مبررات لاتهامات واهية لا تصمد أمام القضاء لو لم يضع الرئيس يده عليه  بالتهديد و الوعيد. 

ربما يجد الاتحاد نفسه اليوم وحيدا مرتبكا أمام سلطة غير منفتحة و غير قابلة للحوار لا معه و لا مع غيره و لعلها المرة الوحيدة التي تحتار فيها قيادة الاتحاد بين إتباع سبيل المواجهة أو بين الاستكانة إلى حين مرور العاصفة و هو ما جعل المتابعين يصفون هذا الارتباك بكونه بداية السقوط و انطلاق العد العكسي لساعة المحاسبة التي ستطير فيها رؤوس يرى الرئيس قيس سعيد أنها قد أينعت و حان قطافها على رأى الحجاج بن يوسف الثقفي.

كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.