كُنّا نعلم أن إسرائيل لن تتركه، ولكنّنا تألّمنا كثيرًا لسماع خبر استشهاده ومشاهدة الصور التي بثّها الجيش الصّهيوني، كنّا نعلم يقينًا أن بطلًا ومناضلًا ومقاتلًا ومحارًبا وثائرًا مثل يحيى السّنوار لن يعمّر طويلا، لأنه ثائرٌ ليس على الصهاينة فحسب بل هو الثائر على كل استعمار وكل قوّة في العالم تغتصب الأرض وتقتل الأبرياء وتمنع الناس من الحياة الطبيعية، وكنّا نعلم يقينًا أنه سيموت يومًا، ولن يبقى طويلًا ولكن الخبر آلمنا جدًّا لأنه جاء في الوقت غير المناسب، جاء في الوقت الذي نحن في حاجة ماسّة إلى مثل هذا الثائر الذي يمثّل التحدّي والشّجاعة والبطولة، وهي معانٍ فقدناها في عالمنا العربي والإسلامي اليوم.
فوزي بن يونس بن حديد
كُنّا نعلم طوال عام أن إسرائيل تبحث عنه في كل قشّ، وتصنع فيه الأقاويل والأحاديث، لأنه قضّ مضجعها، وأرعب جُندها، وجعل نتنياهو يعيش في رُعب بعد أن أذاقه شيئًا منه في السابع من أكتوبر 2023م، وكنا نعلم أن السّنوار كان نتاج احتلال استمرّ أكثر من خمسة وسبعين عامًا ومازال يجثم على أصحاب الأرض، وكُنّا نعلم يقينًا أن السّنوار سيترك أثرًا بالغًا في الجيش الصّهيوني الذي ما فتئ يلاحق شبحه في الأنفاق وفي الزقاق تحت الأرض وفوق الأرض، وهم في تيه مستمرّ وخوف لا ينقطع.
كُنّا نتألّم ونحن نشاهد جثّته ملقاة أمام أشباه الرجال، وهم يعتقدون بأنهم حققوا البطولات بموته وأجهزوا على حركة حماس، وكنا نشعر بخوف على المقاومة في غزّة وفلسطين كيف ستتلقّى نبأ استشهاده العظيم، وننتظر أبا عبيدة يُصدر بيانًا من الحركة يؤكّد أو ينفي ما قالته آلة الإعلام العبرية، ولكن سيكون خطابًا غير الذي سننتظره حتمًا لأنه سيرسم خطة العمل ما بعد السنوار، وسيبيّن للعالم وللصّهاينة أن حماس لن تموت حتى لو اُستشهد جميع قادتها، لأنها الفكرة التي تبقى مع زمن الاحتلال، والمقاومة التي تستعر جذوتها كلّما أمعن الصهاينة في الإجرام، والاستمساك بالأرض ما دام هناك رمقٌ في الحياة، فالشعب الفلسطيني كلّه شعب مقاوم سواء في الضفة الغربية أو غزة الأبية أو في الداخل، ولن يسمح لنتنياهو أو غيره أن يمحوها من السجل التاريخي.
الأسطورة لا تموت
مات السّنوار، بعد حياة حافلة بالجهاد ويبقى العُتْب على العرب والمسلمين الذين لم يقدموا شيئا يُذكر في هذه الحرب المستعرة والمسعورة، كانت فيها إسرائيل قد بلغت من العلوّ والغلوّ حدّه الأقصى من الإجرام وسفك الدماء والتدمير بدعم من المجرمين الأمريكيين والغرب عموما وبعض العرب الذين ساندوها ودعّموها، غير أن كل ذلك لا يُفيد عندما تعلو كلمة الحق، وعندما ينتصر أصحاب الأرض، وعندما يخرج اليهود من أرض فلسطين أذلّاء، فالأسطورة التي ماتت وانتهت تتجدّد صورته في أعين المرعوبين من أهل الصهاينة، ولن تنمحي مهما عاند الزمان وغلا وجاوز حدّه.
مات السّنوار جسدًا، لكنه سيبقى حيًّا في قلب كل مقاوم، وفي قلب كل مسلم ساند قضية أهلنا في فلسطين، وفي كل قلب محبٍّ للحرية والسلام والكرامة والنضال من أجل تحرير الأرض، فسلامٌ لك يا يحيى، طِبت حيًّا وميّتًا، وسلامٌ لروحك الطاهرة التي ارتقت لربّها راضية مرضيّة، وتوزّعت أجزاؤها بين جنبات ذرّات أرض غزّة النقيّة، فأحدثت التحامًا بين أبناء شعب لا يعرف الذلّ ولا الاستسلام، ولا يقبل المساومات ولا التحالفات مع العدو، ويرفض أي حوار لا تتصدّره عناوين الكرامة والقوّة والاستقلال والحرية، في عصر لم تعرف الإنسانية مثله في البشاعة والتنازل والخذلان والإهانة، وماتت معه روح العروبة والإسلام والإنسانية، ولم تبق إلا شمعة المقاومة تضيء بنفسها على نفسها حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
شارك رأيك