غادرنا يوم أمس الإثنين 21 أكتوبر الزميل الصحفي بالتلفزة التونسية. رحيله خلف لوعة شديدة لدى كل من عرفه من قرب أو من بعد. زميله بالتلفزة الوطنية- و كان له خير صديق- عبد الحق الطرشوني كتب ما يلي عن الوجع الذي ألم به حين ورد عليه خبر رحيل الزميل العزيز الذي ترك بصماته بقلمه و صدى صوته في ريبورتاجاته:
كيف يمكن ان ننسى الراحل الصديق والزميل جميل الدخلاوي؟؟؟
ادعو بالرحمة لصديقي وزميلي جميل الدخلاوي الذي كان يبدع في كتابة نصوصه لروبرتاجات ينجزها فريق التصوير والإنتاج التلفزي تعطى له خصيصا لانه كان الصحفي الذي يضيف للصورة معنى وروحا وان كانت احيانا صورة عادية لا تشد العين والانتباه وبفضل النص المميز الذي كان يقدمه جميل الدخلاوي بصوته الفريد من نوعه وباسلوب الكتابة التي كان يكتبها لهذه الأعمال التي تنجز احيانا غير مكتملة بنصوص او تعليق تعطى خصيصا له لكي يثريها بتعليق واخرى ترسل من جهات مختلفة او اعمال يقوم بها جميل في اطار عمله الميداني وهي كثيرة ومتنوعة وقد تميز جميل على زملائه في اكتمال كل الاعمال مهما كان محتواها وذلك بقدرته في كتابة النصوص مهما كان الموضوع ايضا وذلك بفضل مهاراته في اختيار المصطلحات وتركيبها بأسلوب خاص به مما يجعله قادرا على تناول اي موضوع يقدم له يتولى جميل اثراءه بجمل غير معهودة وبقراءة لها نمط خاص تجعل المشاهد يصغي اليه بصفة تلقائية و كأنه يرسم له لوحة فنية او يعزف له معزوفة تشد الأذن قبل العين كان جميل يبدع في الوصف ومداعبة الكلمات بصوت فيه رقة وجاذبية تلهيك عن كل شيء مثل التثبت في علاقة الصورة بالمعلومة فشكل النص و طريقة الالقاء تلهم انتباه المشاهد ولا تترك لها مجال متابعة المحتوى ودقة المعلومة وهذه القدرة في شد انتباه المشاهد ليست بالأمر الهين وجميل الدخلاوي لعله من أبرز الذين يحسنون مثل هذا الأسلوب في التواصل مع المشاهد وشد انتباهه
جميل الدخلاوي زميل طيب الخلق متواضع منسجم مع روحه الفنية ومحيطه المهني كنت اتابع تقاريره التي كانت احيانا تأتي في آخر النشرات الإخبارية او بعض البرامج لأحداث فنية او ثقافية حيث تميز جميل في تقديمها واثراءها بنصوصه بنسق جميل يغلب عليه الطابع الفني في الوصف الجميل بكلمات تداعب بعضها البعض وتشد مسامع المشاهدين
ومن الصدف لما كنت أعمل كصحفي في قسم الاخبار باذاعة الكاف تم ايضا تكليفي سنة 1992 بتولي مهام اضافية تتمثل في القيام بمراسلات تلفزية لنشرات الاخبار بالقناة 1 واذكر دوما اولا مراسلة قمت بها كانت في شتاء سنة 1992 حول نزول كميات هامة من الثلوج في قرية عين سنان بمدينة قلعة سنان بولاية الكاف حيث عزلت كميات هائلة من الثلوج هذه القرية وجعلت السكان يواجهون مشكلة في التنقل و تزويدهم بالخبز والغاز والماء وغيرها من الضروريات وبعد التصوير وكتابة النص وتسجيله بصوتي أرسلنا الروبورتاج لنشرة الاخبار وكنت اترقب بفارغ الصبر مشاهدة مراسلتي الأولى في نشرة الاخبار الرئيسية على شاشة القناة 1 وقد فجئت في الاخير في ختام النشرة ببث المراسلة بشكل مغاير تماما لموضوع المراسلة التي تحدثت فيها عن هذه الحلة البيضاء الجميلة التي اكتست بها قرية عين سنان وعن استبشار الفلاحين بهذه الثلوج وايضا عن عزلة القرية وتعطل وصول المواد الغذائية للمكان خاصة الخبز والغاز لضمان الطبخ والتدفئة في تلك الوضعية العصيبة واخيرا ظهر الروبوتات في ختام النشرة ببث الصور الجميلة للقرية التي غطتها الثلوج مصحوبة بموسيقى وبصوت صديقي جميل الدخلاوي وهو يصف القرية مخاطبا المشاهد انت لست في سويسرا انت في قلعة سنان وهكذا كان وصفه للمشهد بنص ممتاز يجعلك تحلم وكأنك في احدى قرى سويسرا كان الوصف جميلا ولكنه لا يصف الواقع و جاء مغايرا لمضمون المراسلة التي اعدتها للنشرة ورغم ما قدمه الراحل صديقي جميل الدخلاوي من نص عوضا عن نص مراسلتي بما ما فيه من وصف يدغدغ مشاعر المشاهد الا اني شعرت بشيء من عدم الرضا عن تغيير المضمون من محتواه الحقيقي الذي كنت وصفت فيه هذه القرية المنعزلة بسب تساقط الثلوث وما تسببت فيه من معانات السكان وتاسفت كثيرا من ما تم تغييبه من مناشدة الممواطنين الى السلط المحلية لتوفير حاجياتهم وتحويل المراسلة إلى خبر لتجميل نهاية النشرة بخبر فيه ممتعة للفرجة بسبب جمال المشهد الطبيعي المغطى بالثلوج وباختيار الكلمات والاسلوب الجميل للوصف لا غير
وفي سنة 2004.انتقلت الى مصلحة الاخبار بالقناة 1 والتقيت بزميلي جميل الدخلاوي وحدثته عن مراسلتي الأولى هذه ولما فهم من خلال حديثنا انني كنت غير مقتنع بما حدث ابتسم جميل وقال لي (حتى انت يا صديقي وين عايش) مهلا انت الان معنا في المعمعة وستكتشف كثيرا من الأشياء التي ربما كنت لا تعلمها او لا تفهمها .. وفعلا صدق في ما قال ….
وفي سنة 2011 لما بدأت في إنجاز سلسلة مسافات وحكايات حول ناريخ السكك الحديدية في تونس كان صديقي جميل الدخلاوي من اول المعجبين بهذا العمل ومن اكثر المشجعين لي رحم الله فقيد التلفزة الوطنية الصحفي المبدع بنصوصه واسلوبه المتميز في الكتابة وبصوته الفريد من نوعه لقد ترك الراحل زميلنا جميل الدخلاوي بصمات لا تمحي من ذاكرة ذلك الجيل المتميز من ابناء التلفزة التونسية.
الإمضاء عبدالحق طرشوني
شارك رأيك