عندما يكونون في السلطة يتصور القادة السياسيون أنهم فوق القانون أولا و فوق حكم التاريخ ثانيا لكن أعمالهم المسيئة لغيرهم عادة ما تؤدي بهم إلى أسوأ المآلات. آخر مثال لنا على ذلك ما جرى في تونس لرئيس حركة النهضة و الرئيس السابق للبرلمان راشد الغنوشي الذي كان سقوطه أكثر دويا من صعوده.
أحمد الحباسي
لم يصمد حكم الإخوان المسلمون أو لنقل حكم ممثلتهم في تونس حركة النهضة بقيادة الشيخ راشد الغنوشي طويلا بعد أن انفض كل من حول هذا الأخير من تجار الدين الذين وقع ترقيتهم إلى وزراء و ولاة و كبار مسؤولين في الإدارة التونسية إثر تصدر الحركة نتائج الانتخابات التشريعية التي تلت سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن على و انتهى به المطاف أخيرا إلى سجن المرناقية في انتظار الأحكام القضائية السالبة للحرية التي ستبتّ طبعا في عديد الجرائم التي ارتكبها الشيخ تنفيذا لمؤامرة قطرية صهيونية تركية أرادت بتونس شرا.
لا يدرى أحد فيما كان الشيخ يفكر حين نزل من الطائرة التي كانت تقله من بريطانيا إلى تونس أياما قليلة بعد سقوط نظام الرئيس بن على و نجاح ما سمى حينها بثورة الياسمين و لا فيما كان يتجه خياله حين ترك أتباعه ينشدون أغنية “طلع البدر علينا” مشبهين إياه بالنبي محمد صلى الله عليه و سلم و انتحى جانبا ساجدا مصرحا بعد لحظات أنه سيعتزل السياسة و يعود للتيمم و العبادة في مسقط رأسه بالجنوب التونسي. لكنه فعل العكس تماما لما وعد به… وهو ما أودى به إلى المصير السيء.
شيخ الفتنة يحضن الإرهاب
طبيعة الإخوان هي النفاق و اللؤم و خيبة الطباع و زئبقية المواقف و انعدام الشرف لذلك لم يمر وقت طويل حتى تقدم الرجل و بقية مرتزقته إلى الانتخابات التشريعية مستغلين حالة الفراغ الكبرى التي تركها التجمع الدستوري بعد سقوط النظام ليتمكن من حصد نجاح كاسح أسال لعابه و دفعه إلى تسخير كل الإمكانيات في الترغيب و الترهيب ليصل إلى سدة رئاسة المجلس التأسيسي و ليحول البرلمان إلى حكومة ظل يتم فيها تمرير كل مشاريع القوانين التي تدافع عن مصالح حركة النهضة و أتباعها و المتذيلين لها و استصدار قوانين تتيح لدول أجنبية التصرف على مزاجها في ضرب الاقتصاد التونسي و نهب خيرات البلاد و ثرواتها الطبيعية.
لقد قام شيخ الفتنة بكل ما فى وسعه لحضانة الإرهاب تمويلا و تدريبا و تسليحا و رعاية ليحول البلاد إلى أفغانستان ثانية و ليسمح لعدد غير محدود من ميليشيات الردع باسم الدين و مجموعات باسم حماية الثورة وضع على رأسها أسماء مشبوهة مثل عماد دغيج و أمثاله.
في الحقيقة لم يكن الشيخ مؤهلا قيد أنملة لقيادة مجلس الشعب و لا حتى لفهم ما حصل في تونس من تغييرات جذرية على كل المستويات طيلة عزلته الذهبية في لندن و لا مؤهلا لخلق التوليفة القوية المطلوبة القادرة على تحقيق أهداف الثورة بل كانت قوة شيخ الكذابين كما وصفه الشهيد شكري بلعيد الذي استهدفه غدر الحركة و اغتاله يوم 6 فيفرى 2013 في صنع الأعداء و خلق حالة متصاعدة وغير مسبوقة من النفور الشعبي تحولت في النهاية إلى ما سمى باعتصام الرحيل الذي أدى إلى سقوط حكومة على العريض و بداية سقوط حكم الإسلام السياسي في تونس الذي بشرنا هذا الأخير بكونه سيستمر لمدة أربعمائة سنة قادمة و أن عهد الخلافة سيعود كما جاء في إحدى خطب الوزير الأول الأسبق حمادي الجبالى بإحدى الاجتماعات بالجنوب معتبرا أن تونس هي أرض الميعاد المباركة بالنسبة لكل خوارج العصر و قتلة الإنسان و الحضارة من رافعي الشعار الكاذب “الإسلام هو الحل”.
عبير موسي أسقطت الصنم
من الثابت أن عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر هي من وقفت الند للند و واجهت شيخ حركة النهضة الذي كان الجميع يخشاه و يتجنب معارضته أو الوقوف ضد مخططاته بل لنقل بمنتهى الصراحة أن هذه السيدة قد عرضت نفسها للاغتيال و التشويه و العنف المادي و اللفظي في حين كانت قيادات نداء تونس تمارس سياسة النفاق و قيادات المعارضة الأخرى تتغنى بجمال ضحكة مرشد النهضة و السيد صافى سعيد يقوم بمراوغة بهلوانية سجلتها كاميرات المجلس للإيحاء بكونه قد أمضى عريضة إسقاط “الشيخ” و السيد مبروك كورشيد يقوم بدور أعوان المطافئ تجنبا لقيام حركة النهضة بفتح ملفات قد تكون دفعته هذه الأيام للفرار إلى الخارج.
لقد أسقطت السيدة عبير موسي الصنم الذي خشيه الجميع و بات فيهم من يقدم له آيات الولاء و لذلك تكسرت أحجار الصنم حين هبّت عليها رياح قرارات ليلة 25 جانفى 2021 و أمضى رئيس الجمهورية قرار حل مجلس نواب الشعب و وضع الشيخ في حالة بطالة قسرية تلتها عملية إيقافه و إيداعه السجن بعد فترة قصيرة حتى يواجه سيولا من الاتهامات القضائية ستنتهي به حتما إلى البقاء بالسجن لفترة طويلة قد لا تنتهي.
لعل الجميع يتساءلون اليوم كيف يقضى الشيخ يومه في السجن و ماذا يرى في كوابيس نومه و هل هناك ممن لا يزال يتذكره من رفاق الأمس و بقية المغرر بهم في حركة النهضة و هل يتساءل كيف تركته قطر و تركيا و تجاهلت مصيره بعد أن كان الإبن المدلل الذي سخرته منظومة المؤامرة على تونس.
هل يتحسّر الشيخ المتآمر على ما فات من عمر أمضاه في حياكة المؤامرات و رعاية الإرهاب و بيع تونس بثمن التراب؟ هل يجد هذا الشيخ وقتا لاستيعاب أخطائه و خطاياه و يتذكر كيف سمح بسفك دماء التونسيين دون ذنب؟ هل سيسأل نفسه إن كانت تستحق السلطة ارتكاب كل هذه المنزلقات الخطيرة؟ هل تستحق السلطة كل هذه السنوات فى السجن؟ هل سيفهم الشيخ أخير أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة و أن محاولة مسك كل خيوط السلطة يتحول أحيانا إلى مسك… لخيوط من سراب ؟
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك