“في مثل هذا اليوم من سنة 1987 أزاح الجنرال زين العابدين بن علي عبر انقلاب “طبّي” الدكتاتور العجوز الحبيب بورقيبة الذي نصّب نفسه رئيسا مدى الحياة.بالأمس، كما اليوم، تحمّل حزب العمال مسؤوليته التاريخية ولم يتردّد في مواجهة الانقلاب والتيار الجارف “الله ينصر من صبح” بوصلته في ذلك مصلحة الشعب والوطن والدفاع عن الحرية والعدالة الاجتماعية.
وقد توجه يومها حزب العمال ببيان إلى الشعب التونسي، هذا نصّه:
الجنرال زين العابدين بن علي يفتتح عهد الانقلابات، لنناضل من أجل الجمهورية الديمقراطية الشعبية
يعيش النظام الدستوري منذ سنوات تقلبات وصراعات حادّة ذهب ضحيتها العديد من رموزه السياسيين وأفضت في الأسابيع القليلة الماضية إلى تصدّع جديد في فريق الطوارىء أدّى إلى صعود الجنرال إلى الوزارة الأولى وهكذا أصبح واضحا أن البرجوازية الكبيرة العميلة تريد أن تحكم الشعب بأكثر الطرق قسرية، تريد أن تحكمه بالجيش والبوليس والمرتزقة إلاّ أن نزوات بورقيبة كانت تمثل عاملا إضافيا لإضفاء مزيد من عدم الاستقرار ومزيد من التطاحن بين مختلف الكتل المتهافتة على الحكم وهو ما زاد في أطماع الامبريالية الأمريكية على وجه الخصوص لكسب السبق نهائيا على منافستها الفرنسية وأمامها صنيعة وكالة مخابراتها الذي سهرت على تربيته وإعداده ليتحين الفرصة لاعتلاء العرش، وهكذا بعد أن كاد يفقد منصبه في الوزارة الأولى –وفقده فعلا لمدة ثلاث ساعات- قام بانقلاب أبيض اليوم 7 نوفمبر 1987، وكان أعدّ نسخته الأولى مع الوزير الأول الهارب محمد مزالي إلاّ أنّه اختلف معه على تقسيم المناصب، وها هو ذا يتفرّد بالحكم ويزيح منافسيه محمد الصياح ومنصور السخيري ويضع الجيش بين أيدي آمنة موالية له، وكذلك بالنسبة لوزارة الداخلية التي وضعها بين يدي موالين له وعملاء وكالة المخابرات الأمريكية من الجيش وحافظ على الوزراء المدنيين الذين لا يهمهم سوى مركزهم، وبدأت الإذاعة تردد بيان الانقلاب والتقرير الطبي من السادسة صباحا.
قام زين العابدين بن علي بانقلاب أبيض وهو بذلك يفتح عهد دخول العسكر الصراع السياسي في سبيل الحكم: أي عهد الانقلابات العسكرية، وحكم البلاد على الطريقة الأمريكية اللاتينية. مهما كانت قبضة الجنرال قوية فلن تسكت أطماع منافسيه وغرمائه سواء في الجيش أو في حزب الدستور وسوف يتفاقم التطاحن كلّما زادت الأزمة الاقتصادية.
إن الجنرال وهو يعلن إنهاء “الحكم البورقيبي” “يتبنى” ضرورة مراجعة الدستور بهدف إلغاء الرئاسة مدى الحياة والخلافة الآلية ومراجعة قانون الصحافة وقانون تنظيم التعددية…الخ.
وهي شعارات يودّ أن يكسب بها الرأي العام الديمقراطي و المعارضة الإصلاحية إلاّ أنّه لم ينس قطّ الدعوة إلى “الانضباط” و”العمل الجاد”، ونادى بترك الأحقاد والضغائن وبوحدة التونسيين، وإلى جانب بيانه أعلنت وزارة العدل تأجيل النظر في قضية “الإخوان” الموقوفين.
لم يفت الجنرال أن يظهر بمظهر الليبيرالي المتحضر منذ أن اعتلى الوزارة الأولى إلاّ أنّه لا يستطيع أن يخفي فاشيته أو أن يحجبها عن الشعب وعن الثوريين الصادقين: إنه لن يتردد في وضع يده مع “الإخوان” من أجل شدّ الشعب بالقوّة والقهر، وما الدّعاوي “الديمقراطية” التي يظهر بها إلاّ مجرّد شعارات استهلاكية لتبييض وجهه، ولإيهام الشعب أنّه يفتح أمامه عهدا جديدا، عهد الحرية والديمقراطية، إلاّ أن الشعب الذي لاقى كلّ الويلات من النظام الدستوري ومن عملاء الامبريالية ومن بائعي الوطن لن يخدع بشعارات الجنرال الفاشي وعميل وكالة المخابرات الأمريكية.
إنّ خروج البلاد من مخالب الفاشية وحكمها العسكري –البوليسي يتطلب اجراء تغييرات جوهرية على شكل السلطة وفرض شكل ديمقراطي يقبل بحقّ الشعب في ممارسة الحرية السياسية وإدخال الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية اللازمة والملحّة لتحسين حالته وإنقاذه من وطأة البؤس المادّي والمعنوي وسدّ الباب أمام كابوس الفاشية (الدستورية والعسكرية والإخوانجية) وتخليص المجتمع منه. ويعتبر حزب العمّال الشيوعي التونسي أن معالجة الوضع السياسي هو مفتاح بقية الإصلاحات. فالمهمة المباشرة ذات الأولوية تتمثل في وضع حدّ لقانون الغاب والحكم الفردي وايجاد المؤسسات والقوانين الحامية للمواطن من التعسف والجور ورفع الكابوس المسلط عليه، ولن يتمّ ذلك إلاّ إذا تجندت الطبقة العاملة والشعب إلى النضال وتخلصت من كلّ الأوهام حول “ديمقراطية” الجنرال وحول “ثورية” الأحزاب الإصلاحية الرجعية وكذلك حول الأحزاب الفاشية (حزب الدستور والإخوان) والتفّت حول البرنامج الأدنى الذي يمكنها من قطع خطوة جادة على درب التحرر الوطني والاجتماعي.
وحتى تعرف بتجربتها الملموسة عليها أن تواجه الجنرال بالمطالب الدنيا المباشرة:
1) إطلاق سراح المساجين السياسيين والنقابيين وتسريح المجندين إجباريا وإرجاعهم إلى دراستهم أو شغلهم مع التعويض، وإرجاع المطرودين لأسباب سياسية أو نقابية إلى عملهم مع التعويض، غلق المحتشدات وإيقاف التتبعات ورفع إجراءات التوقيف عن الكتب والآثار الأدبية والفنّية والصحف والمجلات، وسحب البوليس من الجامعة وسنّ عفو تشريعي عام.
2) إلغاء قانون الجمعيات الصادر سنة 1959.
3) إلغاء قانون الصحافة لسنة 1975.
4) إلغاء القانون المحدث لمحكمة أمن الدولة.
5) حلّ مجلس النواب وإجراء انتخابات سابقة لأوانها حرّة وديمقراطية وكذلك الشأن بالنسبة للمجالس البلدية.
6) حلّ النقابات المنصبة وإرجاع الاتحاد لأصحابه الشرعيين، وتمكين الطلبة من إعادة بناء منظمتهم النقابية (الاتحاد العام لطلبة تونس).
7) الزيادة في الأجور وربطها بالأسعار، والرفع من القدرة الشرائية للشغالين.
- الزيادة في المنحة الجامعية بما يتناسب وغلاء المعيشة وجعلها حقا لكافة الطلبة.
ينبغي على الشعب أن يجعل من هذه المطالب وغيرها محكّا يختبر به مزاعم الجنرال المنقلب وقاعدة يرصّ عليها صفوفه للنضال الفعلي في سبيل الجمهورية الديمقراطية الشعبية.
ولنرفع عاليا: تسقط الفاشية
ولنناضل في سبيل الجمهورية…
شارك رأيك