استضافت مدينة تستور، ولاية باجة، يومي 9 و10 نوفمبر 2024، فعاليات “فيا بَغْرَادا”، بادرة من تنظيم ميوزيم لاب، الجمعية التي تسعى إلى إعادة إنعاش قطاع التراث التونسي. يمثل هذا الحدث تتويجًا لإقامةٍ جمعت فنانين، حرفيين، خبراء تراث، وشبابًا شغوفين، نظمتها ميوزيم لاب لدعم الفاعلين المحليين.
وتهدف فيا بَغْرَدا إلى دمج الأبعاد الاقتصادية، والثقافية، والتراثية، والبيئية للمنطقة ضمن مشروع تنموي مستدام. كما شهد الحدث إطلاق تطبيق “فيا بَغْرَدا”، وهي منصة تفاعلية تتيح للزوار استكشاف الكنوز الخفية للمنطقة في الوقت الفعلي. إثر سنة من العمل التعاوني، صممت ميوزيم لاب هذه الفعالية لإبراز مختلف مكونات الشمال الغربي، من الحرفيين إلى المناظر الطبيعية والتراث التاريخي، ودعمه بمبادرات تهدف إلى تطوير واستدامة التراث المحلي.
ثروة طبيعية وتراثية، ومحفّز للتنمية الإقليمية
يتميز الشمال الغربي التونسي بتنوع موارده الطبيعية، وتراثه الثقافي، وتقاليده الحرفية المتوارثة. ووعياً من ميوزيم لاب بهذا المخزون الفريد، نظمت سلسلة ندوات لبحث نقاط قوة المنطقة في مجالات الاقتصاد، والبيئة، والسياحة الثقافية.
جمعت هذه الندوات خبراءً وفاعلين محليين لمناقشة مقومات التنمية والتحديات التي تواجه المنطقة. في إحدى الندوات، على سبيل المثال، جرى التركيز على المنتجات المحلية، التي تعتبر خير سفير للشمال الغربي، وتم تسليط الضوء على إمكانياتها في تعزيز الاقتصاد المحلي. تناولت الندوات الأخرى مبادرات بيئية، والإقامات البديلة، والأحداث الثقافية كركائز جاذبة للسياحة. ومن خلال هذه الندوات، سعت ميوزيم لاب إلى إبراز أهمية تسخير الموارد المحلية والحرف التقليدية في تحقيق تنمية اقتصادية تحافظ على هوية المنطقة وتحترم بيئتها.
استكشاف الشمال الغربي من خلال مسارات سياحية جديدة
يوفر الشمال الغربي التونسي بيئة طبيعية خلابة وتاريخاً عريقاً يجعله وجهةً مميزةً للمسارات السياحية الغامرة، التي لا تزال للأسف غير مستثمرة كما ينبغي. استثمرت ميوزيم لاب في هذا التميز عبر تصميم تجارب تجمع بين المغامرة، والتاريخ، والطبيعة. وتتيح هذه المسارات، سواء كانت سيراً على الأقدام، أو باستخدام القوارب، أو عبر الدراجات، للزوار الانغماس في جمال الطبيعة وثقافة المنطقة.
تعد المواقع الأثرية مثل ثينغِكا والمدينة التاريخية في تستور أمثلةً حيّةً على الحضارات القديمة، مما يكشف عن عمق الإرث التاريخي للمنطقة.
عبر تطبيق “فيا بَغْرَدا”، تسهّل ميوزيم لاب الوصول إلى هذه الأماكن وتتيح للزوار استكشاف تجارب سياحية جديدة ومثرية، تجمع بين المسؤولية البيئية ومتعة الاكتشاف، وترتبط بعمق بموارد المنطقة وتراثها.
حفظ التراث اللامادي ونقله خدمة للاقتصاد المحلي
بفضل تنوعها الحرفي، يزخر الشمال الغربي التونسي بمهارات تقليدية تشكل جزءاً من هوية المنطقة. ووعياً من ميوزيم لاب بهذه الثروة، نظمت ورشات عمل بالتعاون مع الحرفيين المحليين لنقل هذه التقنيات التراثية للزوار. سواء في صناعة الجبن، أو التطريز، أو إعداد المربى، تشكل هذه الورشات شواهد حية لتراث متجدد.
من خلال “فيا بَغْرَدا”، يمكن للزوار اكتشاف هذه الورشات والمشاركة فيها، مما يعزز دورهم في الحفاظ على هذه التقاليد.
أما بالنسبة للحرفيين، فـ”فيا بَغْرَدا” توفر لهم فرصة الوصول إلى سوق أوسع وتوسيع رؤيتهم التجارية خارج مجتمعاتهم المحلية. كما تضمن التدريبات المقدمة للشباب في الوساطة الثقافية، التي تديرها ميوزيم لاب، استقبالاً متميزاً للزوار، حيث يتحول التراث إلى مصدر جذب اقتصادي يعزز ازدهار المجتمع المحلي.
أساليب مبتكرة لتسويق الحرف اليدوية
يتميز الشمال الغربي التونسي بمهارات حرفية أصيلة تساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي ودينامية المنطقة. أدركت ميوزيم لاب أهمية هذه الحرفيين في النسيج الاقتصادي المحلي، وأشركتهم في سوق المنتجات المحلية ضمن فعاليات “فيا بَغْرَدا”. ويتيح هذا السوق للمنتجين المحليين عرض إبداعاتهم، كالمستحضرات الطبيعية، والأدوات الخشبية، والمأكولات الخالية من الغلوتين.
عبر جذب زبائن من خارج المنطقة، تتيح ميوزيم لاب للحرفيين فرصًا لتنويع دخلهم وفتح آفاق تجارية جديدة.
وفي موازاة ذلك، قامت الجمعية بدعم برامج تدريبية لتعزيز تسويق منتجات الحرفيين، وبناء اقتصاد محلي يرتكز على التراث. يعكس نجاح هذا السوق الرؤية الاستراتيجية لـميوزيم لاب، التي تهدف إلى تحويل المهارات المحلية إلى محفزات للنمو الاقتصادي المستدام.
نموذج تنموي مستدام يعتمد على تثمين التراث
عملت ميوزيم لاب على مدى عام في تستور لتأسيس نموذج تنموي سياحي واقتصادي مستدام، يرتكز على الحفاظ على التراث. عبر “فيا بَغْرَدا”، تروج الجمعية لنموذج شامل يثمّن التراث المادي (المعالم التاريخية، والمواقع الأثرية) وغير المادي (المهارات الحرفية، والعادات، والأكلات التقليدية).
ويشكل إطلاق تطبيق “فيا بَغْرَدا” أداةً مركزيةً في هذا النهج، حيث يقدم للزوار خريطة تفاعلية وجدولاً ثقافيًا محدثًا، لتسهيل اكتشاف الجوانب المختلفة للشمال الغربي. وبالتعاون مع مختلف الفاعلين المحليين في الثقافة، والبيئة، والحرف اليدوية، ومن خلال تدريب الشباب في الوساطة الثقافية، تلتزم ميوزيم لاب بالحفاظ على أصالة المنطقة وتفعيل اقتصادها.
أكدت دورة 2024 من “فيا بَغْرَدا” أن التنمية السياحية والاقتصادية في الشمال الغربي التونسي تتحقق من خلال تثمين ثقافة المنطقة وتراثها، سواء كان ماديًا أو غير مادي. من خلال بناء جسور بين التقاليد والابتكار، تتيح ميوزيم لاب للفاعلين المحليين إمكانيات لتطوير قدراتهم الاقتصادية وتوسيع آفاقهم. وتجسّد “فيا بَغْرَادا” نموذجًا للسياحة المسؤولة، وتوضح أن مستقبل المنطقة يكمن في ترويج التراث الحي والمستدام، الذي يجذب الزوار ويستجيب لتطلعات المجتمع المحلي.
شارك رأيك