أعرف مطار تونس قرطاج منذ بداية السبعينات، وتعدّدت سفراتي به بالجوازين الأحمر والأخضر، ولم يكن بهذا المستوى الذي أصبح عليه اليوم. كنت أُمنّي النفس بأنّ الأمور ستتحسّن، ولكن الفوضى أصبحت طاغية. يغادر مسؤول ليخلفه آخر ودار لقمان على حالها.
العقيد محسن بن عيسى
المطار كيف يعمل…
حال مغادرتي الطائرة عند الوصول بعد زيارة في دولة قطر، تفاجأت بجلبة على بداية المدرج بين عاملين يحملان “سترة صفراء”. تساءلت لهما فكرة عن الانضباط المهني، في هكذا مواقع؟ أجبت نفسي، لقد وصلنا إلى تونس وهذه هي المصافحة المتاحة لدينا، وهذه هي الصورة المثلى التي يمكن أن نقدّمها لضيوفنا.
تشعر وأنت تتقدم نزولا نحو شرطة الحدود، أنك في فضاء تنقصه العناية والجمالية بما يتناسب وتاريخ وحضارة تونس. وتصطدم في البهو الأرضي بازدحام الصفوف التي تنتظر إجراءات ختم الدخول على الجوازات، والتي تحتاج الى فرقة بالزي لتنظيمها. لا مقارنة مطلقا مع ما شهدته في مطار قطر – هذه الدولة الصغيرة الحديثة – عند الوصول وعند المغادرة.
كلمة فوضى كانت حاضرة في عديد التعليقات في الصفوف تقريبا. وابتسامات صفراء تعلو وجوه الأجانب عن يساري وعن يميني. في أوروبا هناك مسلك خاص بالمسافرين من دول أوروبا، وفي الدوحة نفس الشيء بالنسبة لدول الخليج. وفي تونس لا حاجة لنا بذلك فلربما حضور دول المغرب العربي واتحادها ليس كافيا في أذهاننا. في اقصى اليسار على ما أعتقد هناك مسلك خاص بالدبلوماسيين والمسافرين في مهمات وبعض المعارف طبعا!
من الواضح أنّ الجانب المخصّص لشرطة الحدود لم يعد يستوعب بشكل مريح المسافرين القادمين. لقد كانت رحلة قطر متزامنة مع رحلات أخرى. الملاحظة الإيجابية هي سرعة الخدمات لاستيعاب التدفق الذي يمكن أن يخرج عن السيطرة.
مرحلة تسلّم الحقائب في الداخل على نفس المستوى، ولكن فيها تسيّب لدى أصحاب الزي الصيفي الأبيض. من هم هؤلاء؟ وتنتهي الاجراءات بانتقاء رجال الديوانة للقادمين لطرح سؤال: هل أنت مقيم أو مسافر؟ مع مراقبة الجوازات بشيء من التعالي المقرون بالاشتباه. يجب تدارس هذا الأمر مهنيا وانسانيا، فالكثير من المسافرين يستحقون كل التقدير وهم فوق كل الشبهات.
جدارة المسؤولية…
الصورة الصادمة بعد الخروج من بهو المطار، تتمثل في تواجد حشد من سائقي سيارات النقل بدون رخصة على الباب. الكل يعرض خدماته بإلحاح وانت تعتذر وتشكر وتسارع في الابتعاد. صورة تؤكد أننا رجعنا الى مستوى الدول المتخلّفة.
خاتمة شريط العودة، فوضى المأوى وعدم قدرته على استيعاب حجم السيارات والقادمين والمغادرين من الأشخاص. مع نقص في آلات الاستخلاص بشكل ملحوظ، مع أعوان التوجيه والمراقبة. السترات الصفراء موجودة أيضا بوجوه غير بريئة لتقدم خدمات بمقابل في رفع أو تنزيل الأمتعة، وربما خدمات أخرى.
لا يمكن ترك هذا الفضاء دون حضور أمنى لفرض النظام ولما عسى أن يقع من ممارسات. عديدة هي الثغرات التنظيمية والأمنية بمطار تونس قرطاج ومحيطه، والتي للأسف لا زالت أعين الكفاءة والخبرة لم تقع عليها.
خلال هذه الفترة الفاصلة المليئة بالإجراءات الرسمية والوجوه المتطفلة. يتحصّل الزائر على فكرة أولى عن تونس وشعبها وطبيعة المعاملات فيها. فالمطار هو واجهة البلاد الحضارية. واجهة يشكلها العاملون به، والمشرفون على هذا المرفق المفتوح ليلا نهارا.
لم يعد هناك مفر أمام الدولة لكي ترسّخ هيبتها وتحافظ على مكانتها، من أن تعمل وتحسم الخلل في السلوك الوطني بشكل عام وفي مثل هذه المرافق المفتوحة، ولدى المسؤولين فيها بشكل خاص. هذا السلوك الذي لا يعدو ان يكون محصّلة لجملة من القرارات والبرامج المعتمدة ومن ذلك سياسة التعيينات وإسناد المسؤوليات.
من المهم إقرار معايير صارمة في اختيار من سيناله الشرف لتمثيل “الواجهة الحضارية لتونس” في المطار، وتثبيت مبدأ “جدارة تولّي المسؤولية” على هذا المستوى.
ضابط متقاعد من سلك الحرس الوطني.
شارك رأيك