انعقدت القمة العربية الإسلامية الأولى في نوفمبر 2023 حول العدوان الإسرائيلي على غزة و الضفة الغربية، و هاهي القمة الثانية تلتئم في المملكة العربية السعودية بعد عام بالتمام والكمال و قد اتسع العدوان ليشمل لبنان و اليمن و سوريا و إيران، و ليتنوع فيضم الاغتيالات السياسية و تحطيم البنى التحتية المدنية بما فيها المستشفيات و المدارس و الجامعات و البيوت و المساجد. فهل تم تقييم هذه المستجدات الخطيرة و متابعة مقررات القمة السابقة أم أن الأحداث و الظرفية هي التي سرعت تنظيم القمة ؟
سعيد بحيرة *
و بغض النظر عن يأس الشعوب العربية و الإسلامية من مخرجات قمم بلدانها فإن مجرد لقاء قادتها يعتبر أمرا إيجابيا يثبت أنهم موجودون و على علم بما يجري. و لو نظرنا مثلا إلى القمم الأوروبية فإننا سنتبين الفرق الشاسع في الجدية و النجاعة و المصداقية ناهيك عن الفاعلية. و قد أصبحنا نتمسك بالحد الأدنى و اللقاء أفضل من الغياب و الصمت خصوصا إذا أدركنا أن هذه الدول التي تلتقي في القمة متنوعة المصالح والاختيارات و المشارب الايديولوجية. فهناك دول عربية لها علاقات عادية مع إسرائيل و هي مصر والإمارات العربية المتحدة و البحرين و المغرب و السودان و الأردن وحتى دولة فلسطين… و هناك دول عربية لها علاقات غير مباشرة بإسرائيل و الجميع يعرفها. و لو أضفناها إلى الفئة الأولى لأصبحت أغلبية أعضاء الجامعة العربية ترتبط بعلاقات رسمية بتل أبيب، بل و بين الطرفين سفراء و تبادل تجاري و حركة تنقل و رحلات جوية و تعاون أمني… و هذا خيار يتأكد من سنة إلى أخرى ، و هو مقبل على انطلاقة جديدة مع نجاح الرئيس دونالد ترامب صاحب مشروع السلام الابراهيمي . أما إذا نظرنا إلى البلدان الإسلامية غير العربية فإننا نجد أن أغلبها يرتبط بعلاقات عادية مع إسرائيل، و هناك من هو في قائمة المعترفين الأوائل بها سنة 1948…
أي معجزة يمكن أن تحدث ؟
فأي مخرجات يمكن أن تصدر عن هذه القمة فتوقف آلة القتل و الدمار الإسرائيلية التي عجزت الأمم المتحدة – و هي التي صنعت إسرائيل – عن كبح جماحها و لجم همجيتها ؟
و أي معجزة يمكن أن تحدث ليتفق الجمع على قرارات قابلة للتنفيذ في ضوء المتناقضات التي تختفي وراء الابتسامات الصفراء و القبلات ذات الأنياب الطويلة و المجاملات الماكرة؟
صحيح أن من بين البلدان الإسلامية من له وزن ثقيل في المحافل الدولية، و منها من يعتبر قوة إقليمية مؤثرة، و منها من هو عضو في منظمة البريكس أو الحلف الاطلسي، و منها من له ثروات إستراتيجية و أدوار مهمة في خارطة المصالح و المخاطر… لكن هل يمكنها الالتزام بما يوجب وقف الحرب و الدمار و الدفع نحو تكريس الاعتراف بحقوق الفلسطينيين؟ و هل يمكنها الالتزام بتمشي فعلي للضغط على إسرائيل و حلفائها؟
إن مقومات هذا الموقف متوفرة لدى الدول العربية و الإسلامية باعتبار علاقاتها المتميزة مع الولايات المتحدة الأمريكية و جزء كبير من الغرب، لكن الحسابات المصلحية و التبعية الأمنية و تدني مشروعية الأنظمة تشكل عوائق جدية للتحرك الجاد. كما أن انقسام العرب و استفحال القلاقل والتوترات في أجزاء واسعة من العالم العربي يجعل عديد الأقطار منشغلة بأوضاعها الداخلية و صراعاتها الإثنية و المذهبية. يضاف إلى ذلك الانقسام المذهبي بين الشيعة والسنة مما يضعف وحدة الموقف و تأخير الإجماع المنتظر.
من أين سينفذ سيدنا ابراهيم إلى قضية السلام؟
و قد جاءت أطروحة السلام الابراهيمي مع ترامب سنة 2020 لتشتت المواقف العربية و الإسلامية تحت غطاء ديني مغشوش تكمن مرجعياته في انتساب المسلمين و اليهود إلى جد بعيد يسمى ابراهيم و هو والد النبي اسماعيل و إسحاق، و هو مرجع معترف به في الديانات التوحيدية الثلاث. وهكذا انتقلت المعاهدات و الاتفاقيات مع إسرائيل من التسمية باسم أماكن إمضائها إلى المراجع الدينية الفضفاضة التي تحرف طبيعة الصراع وتوهم الناس بالوفاق و الأخوة و الحال ان الصهيونية هي نقيض للسلام لأنها أيديولوجية استيطانية تعتمد التأويلات الخاطئة لمسيرة النبي إبراهيم. وهي لا تأخذ من سيرة الأنبياء إلا ما يوافق وهم إسرائيل الكبرى. ثم إن الدول المنتمية إلى منظمة الأمم المتحدة لا تستند إلى أسس دينية من شأنها الاستفراد بالشرعية على حساب أقليات و مجموعات أخرى، و لنا في توصيف الأمم ما يناقض تعريف الصهيونية للأمة مما جعل دولة إسرائيل لا تضبط حدودها و تقحم في تعريفها السند الديني و يحمل نشيدها الرسمي إشارات عقائدية لاهوتية وهو ما يشذ عن المرجعيات الأممية محل التوافق.
و في حين يتضرع المسلمون في صلواتهم إلى الله ليصلي على إبراهيم كما يصلي على محمد فإن الصهيونية تدعو إلى التوسع و تشجع الحركات العنيفة للمستوطنين المتدينين، و تعتدي على مقدسات المسلمين و المسيحيين. فمن أين سينفذ سيدنا ابراهيم إلى قضية السلام؟ و كيف يستوي دعاة التعايش مع بناة جدار الفصل العنصري؟ و هل تنسجم سياسة الأرض المحروقة في غزة مع مرجعية التسامح لدى النبي إبراهيم؟
الغالب على الظن أن هذه المتناقضات أقفلت أبواب السلام و فسحت المجال لنهج العدوان و لو إلى حين، و هو ما يعقد مهمة قادة الدول العربية والإسلامية المجتمعين في الرياض و هم في أغلبيتهم الساحقة أصدقاء للولايات المتحدة الأمريكية حامية إسرائيل. و لعل هذه الوضعية تنعش البدائل النائمة و تمنح الاتجاهات الراديكالية مشروعية ملئ الفراغ.
باحث و كاتب.
شارك رأيك