دعوة للحوار لإنقاذ تونس من الانهيار

لقد بلغ الاحتقان و اليأس و الاستقطاب في الشارع السياسي التونسي مبلغه. هذا الأمر لم يعد سرا و لم يعد هناك ما يدعو إلى إخفائه سواء من جانب السلطة أو من جانب بقية الطيف السياسي الرافض تماما الانخراط في ما يسمى بمسار 25 جويلية. ألم يحن الوقت إلى مراجعة الأمور بحثا عن مخرج معقول و مقبول و الدخول فيما يمكن تسميته بحوار الشجعان مع كامل الطيف السياسي و بالذات مع الحزب الدستوري الحر الذي أثبتت كل استطلاعات الرأي كونه الحزب الأكبر المتواجد على الساحة إضافة إلى بعض الوطنيين الصادقين.

أحمد الحباسي

من الواضح أن هناك مشكلة و السيد الرئيس الذي يتعمد إخفاء خط سيره السياسي و عدم البوح لعامة الشعب عن الأسباب الحقيقية و الوجيهة التي تدفعه لعدم الإصغاء و فتح نوافذ الحوار مع كثير من الخيّرين في هذا الوطن و قد وصلت الأوضاع على كل المستويات إلى مستوى كبير من الاحتقان.

الشعور السائد لدى الكثيرين أن هناك أيادي خفية تحرك أمورا من وراء الستار و تدفع إلى الفوضى بأي ثمن و ما يحدث في علاقة بندرة المواد الأساسية على سبيل المثال تأكيد صارخ أن  وراء الأكمّة  ما وراءها و أن هناك من يسعى  لضرب هيبة الدولة.

من الواضح للعيان أن القوى الوطنية و على رأسها الحزب الدستوري الحرّ لن تسمح أبدا بمواصلة نهج التعالي و رفض الحوار و ضرب حرية التعبير و تهميش دور الأحزاب و دور المعارضة إضافة  إلى فرض رؤية أحادية لكيفية  التعامل و معالجة الأزمات المتراكمة و المتشابكة التي فشلت كل الحكومات السابقة في فك طلاسمها و إيجاد حلول معقولة لها. كما  أنه  من المثير للتساؤل أن يظل السيد الرئيس متمسكا  بشعار الحرب على الفساد دون أن يظهر للعيان رغم مرور أكثر من أربعة سنوات من الحكم  ما يؤكد تراجع ظاهرة انتشار الفساد أو صدور أحكام رادعة ضد كبار مافيا السوق السوداء المستشرية في البلاد أو استرجاع الأموال التي نهبت مكتفيا بالتلويح بمشاعر الغضب و عبارات الترهيب التي لا يظن أحد أنها ستجعل هذه المافيا العنكبوتية تتبلل خوفا.  

حرب استعادة الدولة الوطنية

لا يشك عاقل أن طاقم مكتب السيد الرئيس و مساعدوه يتابعون ما تفرزه تصريحات و مواقف القوى الوطنية و السياسية و من المحقق أنه سيادته يتلقى يوميا  نبذة وافية في هذا الخصوص غير أنه من الواضح أنه يتعمد تجاهل هذا الحراك الاجتماعي و الإعلامي و الشعبي معتبرا أنه مجرد حرث فى البحر لا يمكنه تعطيل ما سماه بحرب استعادة الدولة الوطنية.

لا فائدة في اجترار الماضي، تعرفون أن كلا من الخصوم – موالاة أم معارضة – سيحكم على ما حدث وفقا لانتمائه السياسي و تصوراته الحزبية أو الإيديولوجية أولا و ربّما أخيرا و لذلك سيرى الرئيس أنه لم يسخر القضاء و يوظفه لضرب معارضيه في حين يرى معارضوه أن القضاء تعرض إلى حملة ترهيب غير مسبوقة و أنه بات إضافة للذراع الأمنية الأداة القوية الطيّعة التي تفتك بهم و تجعلهم عرضة لمحاكمات متسرعة تفتقر إلى أبسط مقومات المحاكمة العادلة و هو ما تصدح به منظمات حقوق الإنسان.

لا شك اليوم إن استقلال القضاء في رأي الجانبين يحتاج إلى قاموس و لذلك لا فائدة من اجترار تفاصيل ما حدث حتى من باب استخلاص العبر أو تحديد المسؤوليات أو محاسبة الحكومة على سوء تصرفها و لامبالاتها لأن المصائب تداهم الوطن و الزمام على وشك أن يفلت إن لم يكن قد أفلت فعلا.

نحن حين نتحدث عن السيد الرئيس فانه يعلم الله أننا لا نقصد الإساءة لشخصه أو لموقعه أو لهيبة الدولة بل أستطيع أن أشهد أنه رجل طيب يمكن أن يكون لديه نية مخلصة لكنه لم يتمكن من حل المشكلات الوطنية المتلاطمة أو ربما تهيأ له أنه قادر على تغيير الواقع فوجد نفسه أسير وعوده و طموحه و غالبه حب النفس و أغرقته استشارة بعض المستشارين الذين ربما يصلحون لقيادة مجالس محلية لكنهم جاهلون بمتطلبات بلد أصابته جوائح كثيرة طيلة العشرية الأولى التي تلت الثورة و ما بعدها.

الحاصل الآن أن هناك غضب على القضاء بعد أن تفرغ لملاحقة حرية التعبير و ضرب كل صوت معارض وطني شريف و على حكومات تسيير الأعمال المتعاقبة التي  خرجت من الحكم كما دخلت بنفس الصمت و الفشل و التردد الخجول و بدا لنا جليّا في الأيام الأخيرة أن الدولة شبه غائبة في عديد المجالات و أن منظومة الاحتكار و التهريب قد تربعت و تسيّدت المشهد دون أن يتم ملامسة إخطبوطها بحزم الدولة و إرادة القضاء و أن رئيس الدولة حين يطلّ علينا فهو يطلّ برسالة متوترة موتّرة لمشاعرنا المحبطة أصلا لا تؤذن إلا باستمرار حالة الانقسام و البؤس الاجتماعي.

الالتزام بعدم المس بهيبة الدولة و مؤسساتها

اقتراحي سيدي الرئيس أن تمدّ يدك مبسوطة إلى كل القوى الحيّة بالبلاد و أن يتم رفع المظلمة التي تتعرض لها السيدة عبير موسى رئيسة الحزب الدستوري الحر التي أصرت رغم الوجيعة و الإحساس بالقهر و الظلم أن تترفع عن المس مثل البعض بهيبة الدولة و مؤسساتها مكتفية بممارسة حقها الدستوري كمعارضة وطنية شريفة متخذة مسافة صريحة من كل من أساء للدولة و للوطن و للراية الوطنية. ربما يجب أن يتم انتداب ممثل مستقل له مكانته لتحضير الأرضية المناسبة لمثل هذا الحوار التاريخي.

أعلم أنكم سئمتم أي حوار بعد أن تسابق أهل السياسة لإفقاده معناه،  لكن  لا بديل، نحن نحتاج بالفعل إلى حوار حقيقي ملزم للجميع، أكرر ملزم، يهدف إلى وضع حدّ لكل التجاوزات من كل الأطراف و من شأنه أن يساهم  في إقرار برنامج اقتصادي طموح  يساهم في إعادة الحياة للاقتصاد التونسي بأسرع ما يكون.  

لا أميل كثيرا إلى ما يسمى حكومة إنقاذ وطنية التي يمكن أن تتحول إلى ساحة صراع آخر لأن الأهم أن يتفق الجميع على برنامج عمل ندع الرئيس يتحمل مسؤولية تنفيذية مع توفير أرضية خصبة للحوار البناء.

الطريق الوحيد للوصول الى هذه الصيغة هو تجميع ممثلي القوى الوطنية في إحدى قاعات القصر أو في أي مكان تحت رعايتك و تغلق عليهم الأبواب فلا يخرجوا منها إلا إذا توصلوا إلى صياغة يتفقون عليها جميعا و يتعهدون أمام الشعب على مساعدتك لتنفيذها.

كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.