لعل تناول ما يحدث في سوريا منذ أيام قليلة و إلى تاريخ صباح هذا الأحد الثامن من ديسمبر 2024 صعب جدا خاصة أمام هذا الضخ الإعلامي غير المسبوق كما أنه من الواضح أن الرئيس بشار الأسد قد تعرض إلى خيانة كبرى من حليفيه الروسي و الإيراني على حدّ سواء و أن ما يحدث هو مؤامرة متعددة الأطراف و التنفيذ شاركت فيها تركيا و الأردن و السعودية و مصر و قطر.
أحمد الحباسي
لقد تمّ تنفيذ المؤامرة منذ خروج القوات السورية من لبنان إثر اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري و ما تبعها من استصدار الولايات المتحدة الأمريكية للقرار عدد 1955 و ما سمى بقرار معاقبة سوريا بعلّة تواجد بعض قيادات النظام العراقي السابق فى سوريا ثم إخراج سوريا من جامعة الدول العربية و تقديم مقعدها لما سمي بالمعارضة السورية المتكونة من بعض المرتزقة و المتعاونين مع إسرائيل و أمريكا و توظيف كل الجماعات الإرهابية و تمريرها عبر تركيا بتواطؤ من النظام التركي بقيادة رجب طيب أوردغان رئيس حزب العدالة و التنمية الحاكم. و رغم فترة قصيرة من الهدوء النسبي الحذر و استرجاع سوريا لمقعدها في الجامعة العربية و حضور الرئيس السوري قمة الرياض الأخيرة فى نوفمبر 2023 فقد استغلت إسرائيل و تركيا و السعودية و قطر و الأردن خروج حزب الله من معادلة الصراع بعد الاتفاق اللبناني الصهيوني و فاجأت الجميع بخروج الجماعات الإرهابية المدعومة عسكريا منها و من تركيا لتصل إلى دمشق في زمن قياسي.
كل الطرق تؤدي إلى دمشق
من الثابت و المنطقي أن إسرائيل و تركيا قد خططا سويا و بالتعاون مع دول أخرى و بطرق مختلفة لتوجيه ضربة عسكرية قاصمة و نهائية للنظام السوري و من الثابت أن الجيش السوري قد فقد الكثير من إمكانياته نتيجة الضربات الصهيونية التي استهدفت مستودعات الأسلحة و المعدات العسكرية المتآكلة و المطارات و من الثابت أخيرا أن ما تعرضت له إيران من ضغوط خاصة بعد اغتيال الرئيس إبراهيم رئيسي في ماى 2024 في حادث طائرة لا تزال خيوطه مجهولة وهو المعروف بدعمه للنظام السوري و اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله و توقيع اتفاق الهدنة هي من بين العوامل الكثيرة و التي يصعب حصرها المؤدية لانهيار الصمود السوري الذي استمر بلا هوادة منذ انهيار نظام الرئيس صدام حسين سنة 2003 و خروج ما سمى بمشروع الفوضى الخلاقة الذي نحته المحافظون الجدد في عهد الرئيس جورج بوش الإبن إلى حدود الساعات الأولى منذ صباح هذا اليوم المشؤوم.
لعل ما حصل منذ ساعات هو نتاج لكثير من التراكمات و الإخفاقات و سوء التدبير و كذلك لا بد من الإشارة إلى الدور الروسي الإيراني المتواطئ وهو دور تعودنا به من الجانب الروسي خاصة حين نتذكر خيانته للعرب و لمصر في حرب 1973.
الاستجابة للإملاءات الصهيونية الأمريكية
اجتمع الخونة و توافقوا على تمرير المؤامرة و ضرب آخر قلاع المقاومة العربية متجاهلين الإشارة إلى واجب حضور ممثل عن النظام السوري و هي إشارة واضحة من مجموعة دول الخيانة بأن اتفاقهم و إشارتهم إلى ضرورة الحفاظ على وحدة التراب السوري هو دليل بكونهم قد استجابوا للإملاءات الصهيونية الأمريكية بضرورة التخلص من الرئيس بشار الأسد كما فعلوا حين استجابوا للضغوط الصهيونية الأمريكية الصهيونية بعزل و إسقاط الرئيس العراقي صدام حسين و ما تبع ذلك من انهيار العراق و خروجه نهائيا من معادلة الصراع بين المقاومة العربية التي كان يعتبر من أهم رموزها و العدو الصهيوني.
لعله من اللافت في اجتماع الدوحة أن مصر قد كانت حاضرة وهي التي “تغيبت” تماما منذ بداية الحراك السوري سنة 2011 و ما تخلل ذلك من قطع الرئيس الراحل محمد مرسى للعلاقات مع سوريا و مساندة لما سمى بالمعارضة السورية كما هي قد تغيبت تماما منذ بداية عملية طوفان الأقصى في أكتوبر 2023 رافضة القيام بأي ضغط و لو بالحد الأدنى لإيقاف المذبحة التي تعرضت لها غزة على يد الجيش النازي الصهيوني.
بطبيعة الحال يشعر الرئيس عبد الفتاح السيسي أنه يجلس على كرسي هزاز و أن رفضه المشاركة في مخطط إسقاط الرئيس بشار الأسد سيغلق عليه حنفية المال الخليجي و سيجعل إسرائيل تستعجل سقوطه بعد أن اختارت تأجيل ذلك إلى ظروف أفضل.
اللافت أيضا عدم حضور ممثل عن النظام الأردني “المتعاون” دوما مع المخططات الصهيونية بما يؤكد أن علاقة النظام بدول الخليج تمر بأسوأ الظروف.
في انتظار سقوط نظام الملا في إيران
هناك إجماع على أن روسيا قد فقدت ماء وجهها السافر هذه المرة في نفس الوقت الذي فقدت فيه آخر القلاع المقاومة و آخر الدول التي تحتضن الوجود الروسي في الشرق الأوسط و لعل قبول روسيا بلعب دور الوسيط المتواطئ قد يكون بداية إشارة لكونها قد تنخرط في المساعي الأمريكية القادمة في عهد الرئيس المنتخب الجديد دونالد ترامب و الرامية إلى إيجاد حلّ للحرب المجنونة الدائرة بين روسيا و أوكرانيا خاصة بعد أن فشل الرئيس فلاديمير بوتين في اقتلاع نصر بات بعيدا جدا مع توالى الأيام و مرور الوقت.
ربما سيظن الرئيس التركي رجب أوردغان أو أمير قطر أو حاكم السعودية أو مصر أنهم قد حققوا إنجازا سيمكنهم من البقاء في كراسيهم متجاهلين أن مخطط تقسيم المنطقة متواصل بلا هوادة.
في النهاية كشفت إيران أنها خسرت كل شيء نتيجة تلاعبها و سوء نيتها و تقلبها على كل الحبال و بذلك يمكن القول أن الشعوب العربية لن تنسى هذه الخيانة القذرة التي ارتكبها نظام الملالى في طهران و حين يأتي الوقت سنصفق لسقوط نظام لم يعد يعنى شيئا للضمير العربي.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك