على مدى أكثر من عقدين، كانت المنطقة العربية مسرحًا لتحولات كبرى، غالبًا ما قوبلت بحماس من القوى الغربية وأحيانًا من الشعوب المحلية التي تغمرها آمال التغيير والديمقراطية. لكن المـآلات ظلت في أعلب الأحيان مأساوية للشعوب المغلوبة على أمرها.
خميس الغربي
شهد سقوط زين العابدين بن علي في تونس عام 2011 بداية موجة من الثورات، تبعه سقوط معمر القذافي في ليبيا في نفس العام، وحسني مبارك في مصر. ورغم ما بدت عليه هذه الأحداث من وعود لبعض الأطراف، إلا أنها فتحت الباب أمام معاناة لا حدود لها واضطرابات عميقة.
وقبل ذلك، كان غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها وسقوط صدام حسين عام 2003، حيث شكّل إعدامه في يوم عيد الاضحى إهانة لا تُنسى لتاريخ المنطقة وكرامتها.
واليوم مع احتفالات مشابهة تصاحب الاضطرابات في سوريا، خاصة في دمشق وحلب، من الضروري أن نتساءل: من المستفيد من هذه الثورات وهذه الفوضى؟ غالبًا ما تكون هذه الأحداث مدفوعة أو مشجعة من الخارج بدعم من بعض المعارضات المحلية، مما يغرق ملايين البشر في الفوضى. وراء هذه الانتصارات الشعبية الظاهرة تختبئ حقيقة مظلمة: موجة من الدمار والمعاناة التي تخدم فقط مصالح اللاعبين الجيوسياسيين الأجانب.
إعادة رسم الحدود، إضعاف الدول، وفرض الهيمنة الخارجية
لا يكفي النظر إلى الأنقاض. يجب تحديد المستفيدين لفهم من يحرك خيوط هذه التحولات. الذين يصفقون لسقوط الأنظمة العربية لا يفعلون ذلك لتحقيق تطلعات الشعوب نحو الحرية أو العدالة. إنهم يعملون وفق أجنداتهم الخاصة: إعادة رسم الحدود، إضعاف الدول، وفرض أشكال جديدة من الهيمنة.
الثورات التي اجتاحت العالم العربي، من تونس إلى سوريا، سمحت للقوى الاستعمارية القديمة بمحاولة إعادة تأكيد سيطرتها على مناطق كانت قد استقلت بعد الحرب العالمية الثانية، بفضل حق الشعوب في تقرير مصيرها الذي نادى به وودرو ويلسون وفرانكلين روزفلت.
اليوم، يبدو أن هذه الديناميكية قد انعكست. القوى التي فقدت قبضتها على البلدان العربية في منتصف القرن العشرين تحاول العودة بقوة، وهذه المرة بدعم من الولايات المتحدة. هذا المشروع، الذي يسميه البعض “سايكس-بيكو الجديد”، يقوم على إعادة تشكيل النفوذ والحدود على حساب الشعوب الأصلية.
كفانا تصفيقا لمآسينا…
في هذا السياق، يحق لنا أن نتساءل: لماذا نجد أنفسنا، نحن العرب، غالبًا في صفوف المصفقين لسقوط قادتنا، حتى عندما يقاومون مشاريع التدخل الأجنبي؟ التصفيق لسقوط بشار الأسد أو أي قائد آخر بدعوى التغيير لا يؤدي إلا إلى وضعنا في صف أولئك الذين يخدمون مصالح أعدائنا المشتركين.
هناك تناقض عميق في الوقوف جنبًا إلى جنب مع مؤيدين يعملون ضد سيادتنا. يجب أن نرفض أن نصبح شركاء في إضعاف أنفسنا. المسألة ليست في الدفاع عن أنظمة أو أفراد، بل في الدفاع عن المبدأ الأساسي للاستقلال والكرامة الوطنية. إذا استمررنا في التصفيق للفوضى التي تُدبر ضدنا، فلن نحقق سوى إطالة أمد معاناتنا.
دعوة إلى الوعي الوطني
حان الوقت لأن يدرك الوطنيون الحقيقيون خطورة الوضع. نحن نسير نحو انهيار شامل، ويجب وقف هذا النزيف. يبدأ ذلك بالتوقف عن الانقسام وانتقاد بعضنا البعض بشكل منهجي، لأن هذا التفكك لا يخدم إلا أولئك الذين يريدون إعادتنا إلى العصر الحجري، كما تنبأ جورج دبليو بوش بسخرية في عام 2001.
علينا أن نفكر في المستقبل ونقاوم موجات الدمار المتتالية التي تأتي تحت ذرائع “الربيع” أو “التحرر”. الأعداء الحقيقيون ليسوا أولئك الذين نتسرع في الإشارة إليهم بيننا، بل هم الذين يحركون الخيوط من وراء الكواليس لتحقيق مصالحهم الخاصة. إذا لم نغير مسارنا، فإن العجلة ستستمر في الدوران، وستكون الضحايا التالية بلا شك من بين بلداننا.
لا تكونوا صناع تدهورنا
علمتنا الأحداث الأخيرة أن التحولات لا تمر دون ثمن. حان الوقت لاستخلاص الدروس من هذه التجارب لتجنب الوقوع مرة أخرى في نفس الفخ.
لنكن أكثر وعيًا. لا نفرح بسقوط قائد دون أن نفهم التداعيات العميقة لهذا الحدث. اليقظة والوحدة فقط هما ما يمكن أن يخرجنا من هذا الدوران المدمر ويبني مستقبلًا يخدم فعليًا مصالح شعوبنا.
كاتب و مترجم.
شارك رأيك