صالح سويسي
تحت شعار “معا… ننمو” تستضيف المملكة العربية السعودية فعاليات كأس العالم 2024، حيث أصبحت ثالث دولة عربية تحتضن أهم مسابقة رياضية على مستوى العالم.
وللمملكة العربية السعودية سجلٌّ حافل وشغف كبير تجاه كرة القدم، وبعد انضمام المملكة للاتحاد العالمي لكرة القدم سنة 1956، تأهل المنتخب السعودي 6 مرّات إلى نهائيات كأس العالم، كان أولها في عام 1994، كما تصدّر المنتخب السعودي العناوين العالمية بفوزه على المنتخب الأرجنتيني، المتوج باللقب، في المباراة الافتتاحية للمجموعة خلال بطولة كأس العالم 2022، وتُوّج المنتخب السعودي بلقب بطل كأس آسيا لثلاث مرات.
وفي المملكة أكثر من 27 ألف لاعب مسجّل وأكثر من 83 ألف لاعب في دوري الهواة، 649 أكاديمية تدريب وأكثر من 200 ألف لاعب في دوري المدارس.
وتضم المملكة العربية السعودية ملاعبَ متطورة “مُصممة لتقديم أفضل المزايا العملية، وأعلى درجات الراحة والتجارب الاستثنائية للزوار، وتتمتع جميع الملاعب عالمية المستوى بمواقع استراتيجية في جميع أنحاء المملكة، وتلتزم بجميع المعايير المحلية والدولية مع دمج الاستدامة كمبدأ أساسي في تصميمها وتنفيذها”.
كما تساهم 134 منشأة تدريبٍ في توفير الدعم اللازم للاعبين والفرق والحكام، “مما يضمن أقصى قدر من الراحة وسهولة الوصول طوال البطولة بأكملها”.
الترشّح والاستضافة
وكانت المملكة العربية السعودية أعلنت في الرابع من أكتوبر سنة 2023، عن نيّتها الترشح لاستضافة بطولة كأس العالم عام 2034 للمرة الأولى، وجاء في البيان الذي نشره الاتحاد السعودي لكرة القدم: “يهدف كأس عالم 2034 إلى تقديم بطولة عالمية المستوى، وستستمدُّ الإلهام من التحول الاجتماعي والاقتصادي المستمر في السعودية، والشغف العميق بكرة القدم في البلاد”. وجاء في ذات البيان: “يأتي العرض الأول للسعودية لاستضافة كأس العالم مدعومًا بخبرة البلاد المتنامية في استضافة أحداث كرة قدم عالمية المستوى حيث استضافت المملكة أكثر من 100 حدث رياضي دولي منذ العام 2018، وخُططها المستمرة للترحيب بالمشجعين في جميع أنحاء العالم، في كأس العالم للأندية 2023 وكأس آسيا 2027”.
وبعد انسحاب أستراليا في 31 أكتوبر 2023، المملكة العربية السعودية باعتبارها العرض الوحيد. أعلن رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو عن إقامة كأس العالم في المملكة.
في بداية شهر مارس 2024 كشفت المملكة العربية السعودية عن حملتها لاستضافة نهائيات كأس العالم، وعن الهوية البصرية الخاصة بملف الترشح، والموقع الإلكتروني الرسمي لهذا الهدف فضلاً عن الشعار الرسمي “معاً ننمو”، وهو شعار يعكس “مسيرة التحول والنمو الكبيرين التي تعيشها السعودية، باعتبارها واحدة من أسرع قصص النمو، وأكثرها تطوراً في عالم كرة القدم”.
ليعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في الحادي عشر من ديسمبر 2024، فوز السعودية باستضافة كأس العالم 2034، خلال اجتماع الجمعية العمومية الاستثنائية الذي عُقد افتراضيًا، وستكون المملكة أول دولة في التاريخ تستضيف بمفردها النسخة الأكبر من بطولة كأس العالم، والتي ستشهد مشاركة 48 منتخبًا وطنيًا في خمس مدن لاستضافة مباريات البطولة، بعد إقرار النظام الجديد للبطولة من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم.
وفي نفس اليوم أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، عن تأسيس الهيئة العليا لاستضافة كأس العالم برئاسته، تأكيداً على “عزم السعودية على تقديم نسخة استثنائية” من البطولة”.
وحصل ملف استضافة المملكة العربية السعودية لكأس العالم 2034، على تقييم 419.8 من 500، ويُعَدُّ أعلى تقييم فنّي يمنحه الاتحاد الدولي عبر التاريخ لملف تمّ تقديمه لاستضافة بطولة العالم.
حديث الأرقام
وبحساب الأرقام، خمس مدن سوف تستضيف المباريات الرسمية وهي العاصمة الرياض والخُبر وجدّة وأبها ونيوم، فضلا عن عشر مدن أخرى لبقية الفعاليات وهي الأحساء وبريدة وحائل وتبوك والعلا والطائف وأملج والمدينة المنورة والباحة وجازان، ويقترح ملف الترشّح موقعين مميزين في كل مدينة لتنظيم فعاليات مهرجان المشجعين “FIFA Fan” بهدف توفير “تجارب رقمية وأجواء احتفالية للمشجعين والزوار تحمل طابع الثقافة الغنية وكرم الضيافة في المملكة، وسيختار الاتحاد الدولي لكرة القدم موقعا واحدا لمهرجان المشجعين في كل مدينة.
مع اقتراح 15 ملعبا و134 منشأة تدريب و16 مطارا دوليا، وأكثر من 230 ألف وحدة فندقية لاستضافة عشاق كرة القدم من كل أنحاء العالم.
ودائما مع الأرقام التي تؤكد النمو المتسارع للملكة على جميع المستوياتـ والاستثمار في الثروة البشرية والطاقات الشابة، حيث نجد أن 36 % من السعوديين تحت سنّ الثلاثين وأكثر من 70 ألف شابة سعودية تنشط في دوري المدارس لكرة القدم، فضلا عن زيادة في نسبة مشاركة المرأة في الأنشطة الرياضية منذ عام 2015 قدّرت بـ 149 %، هذا بالإضافة إلى 834 ألف متطوع في عام 2023.
وأقامت المملكة أكثر من 100 شراكة مع اتحادات وطنية لكرة القدم حول العالم وأكثر من 150 لاعبا دوليا من أكثر من 50 جنسية ينشطون في الدوري السعودي للمحترفين، بالإضافة إلى زيادة 50 % زيادة في نسبة عدد المدربين بين عاميْ 2021 و2023، فضلا عن أن 80 % من الشعب السعودي يتابع كرة القدم.
وتؤكد المؤشرات الرسمية أنّ 60 % من سكان العالم يمكنهم الوصول إلى المملكة، في غضون ثماني ساعات، وأكثر من 27 مليون سائح دولي زاروا المملكة في عام 2023 ما جعلها تحتل المركز الأول في التصنيف العالمي لنمو عدد السياح الدوليين).
وجهة سياحية عالمية
والأكيد أن تنظيم كأس العالم 2034 لن يكون فرصة لإبراز ما بلغته المملكة من تطور على المستوى الرياضي تكوينا وتنظيما وإنجازات فقط، بل سيمثّل هذا الحدث العالمي الضخم فرصة لتقديم المملكة العربية السعودية كواحدة من أهم الوجهات السياحية على مستوى العالم.
حيث تزخر المملكة بمنتوجات سياحية متنوعة ومتعدد حسب المناطق توفر المتعة على امتداد الفصول الأربعة، ولعل أهم ما يميّزها جمال الطبيعة وتجذّرها التاريخي والحضاري.
ومن بين الأماكن الجاذبة نجد العُلا، وهي أول موقع للتراث العالمي لليونسكو في صحراء الشمال الغربي للملكة حيث القبور القديمة من حضارة تمتد لـ7000 سنة وتكوينات صخرية مذهلة مثل صخرة الفيل بارتفاع 52 مترًا، وموقع الحِجر (مدائن صالح) الأثري والواحات الخضراء والتكوينات الصخرية.
وعلى ضفاف البحر الأحمر تستلقي مدينة جدة في جمال وبهاء، والتي توصف بأنها المدينة التي لا تنام، وتشتهر بتنوع ثقافتها وشواطئها البديعة ومواقعها التاريخية وأسواقها الشعبية ومهرجاناتها الغنية بالفعاليات مثل سباق جائزة السعودية الكبرى stc للفورمولا 1، وفيها نافورة الملك فهد والتي تعتبر أعلى نافورة من نوعها في العالم حسب تصنيف موسوعة غينيس للأرقام القياسية على ارتفاع 312 مترًا في الهواء.
ومن الوجهات السياحية الهامة في المملكة، نذكر الأحساء التي تقع في المنطقة الشرقية وهي عبارة عن واحة زراعية شاسعة تحيط بها الصحراء الممّتدة. يوجد بها حوالي أربعة ملايين نخلة تنتج ألذ أنواع التمور في العالم وهو “الخلاص”.
تتميز الأحساء بطبيعتها الخلابة، وخصوبة أراضيها، ووفرة عيونها الجوفية ومياهها العذبة، ومواقعها التاريخية التي تقف شاهدة على تاريخ حضارات كثيرة، فضلا عن واحة الأحساء التي انضمّت لقائمة مواقع التراث العالمي في اليونسكو، كما أنها دخلت موسوعة “غنيس” للأرقام القياسية بوصفها أكبر واحة نخيل في العالم.
أمّا ينبع فتمتدُّ لأكثر من 1760 كيلومترًا على ساحل البحر الأحمر، وبها شعاب مرجانية خلابة ليس لها مثيل في العالم. وتعتبر من أهم الوجهات لتجارب الغوص واكتشاف كنوز البحر الأحمر.
بالإضافة إلى عديد المناطق الأخرى مثل نجران والقصيم والجبيل وحائل وجازان والدرعية والدمام، فضلا عن المواقع التاريخية الدينية وتحديدا مكة المكرمة والمدينة المنورة.
رؤية السعودية 2030
وتشكّل رؤية السعودية 2030 خطةً طموحةً ترتكز في جوهرها على عدد من العوامل التي تشمل تاريخ المملكة العريق، وإرثها الغني، وثقافتها المتنوعة، وموقعها الاستراتيجي، وقوتها الاقتصادية.
وتمهد الرؤية الطريق نحو عصر جديد من التنويع الاقتصادي من خلال الاستثمارات الاستراتيجية في مختلف القطاعات الرئيسية، وتسريع وتيرة التحوّل المجتمعي، ومد جسور التواصل مع العالم، لترسم بذلك تطلعات عالمية أكثر شمولاً واستدامة. كما تُمثّل الرؤية خارطة طريق طموحة، تهدف إلى توظيف مكامن القوة التي وهبها الله لهذه الأرض، وتوفير خدمات متنوعة ومبتكرة، تعكس ريادة المملكة العالمية، ومسيرة التقدم المستمرة التي تعيشها. وتجسّد الرؤية التزامًا بمواصلة النمو والتطوّر، ويمتد تأثيرها الإيجابي الملموس إلى ما بعد عام 2030.
وتُعد بمثابة دعوة مفتوحة للجميع للمشاركة في رسم ملامح مستقبل يجمع بين التقاليد العريقة والابتكارات المتقدمة.
شارك رأيك