مسيرة فرج شوشان الإعلامية و الثقافية

في نفس اليوم الذي غادرنا فيه الممثل المسرحي والسينمائي القدير الأستاذ فتحي الهداوي بعد صراع مع المرض، فُجعت الساحة الثقافية بتونس، يوم الجمعة 13 ديسمبر 2024، برحيل فرج شوشان، أحد كبار وجوه الفكر والثقافة والإعلام الثقافي في تونس منذ مطلع الاستقلال.

عادل بن يوسف

الفقيد كاتب وناقد مسرحي وهو عميد الإعلام الأدبي والثقافي بمؤسّسة الإذاعة والتلفزة التونسية و الذي شبّهه أستاذ اللغة والآداب الفرنسية بجامعة باري (Bari) بإيطاليا، جيوفاني دوتولي (Giovanni Dotoli) في تصديره لكتاب جماعي مُهدى للمسرحي محمّد عزيزة بـ “بِرْنَارْ بِيفُو تونس”، وقد كان فرج شوشان أيضا مديرا عاما سابقا للمركز الثقافي الدولي بالحمّامات، زمن حكم بورقيبة، وهو أحد الممضين على “بيان 11” المؤسّس لحركة التحديث للمسرح التونسي في أوت 1966.

وبهذه المناسبة الأليمة أضع على ذمّة القرّاء بيوغرافيا فقيد الساحة الثقافية وصورتي معه ببيته بضاحية المنزه السادس في أعقاب حواري الاذاعي معه ببرنامج “شهادات حيّة ” بحضور الصديق محمّد علي بن عامر، الرئيس السابق لحمعية “علوم وتراث” بالقلعة الكبرى وذلك يوم الأربعاء 2 نوفمبر 2022 والذي بثّ في حلقتين على أمواج إذاعة المنستير يومي الأحد 6 و 13 نوفمبر 2022.

هذا وسيقام موكب الدفن اليوم السبت 14 ديسمبر بمقبرة آل شوشان بحومة السوق (قرب مقرّ المعتمديّة) بمسقط رأسه القلعة الكبرى إثر صلاة العصر.

وسيتولّى تأبينه بدار الثقافة بالقلعة الكبرى مندوب الثقافة بالمنستير، الأستاذ شكري التليلي.

رحم الله فقيد الثقافة والإعلام التونسيين رحمة واسعة وأسكنه فراديس جنانه وتعازيّ الحارة لزوجته وابنيه وابنته.

وَإِنَّمَا الْمَرْءُ حَدِيثٌ بَعْدَهُ فَكُنْ حَدِيثًا حسنا لمن وعى (ابن دريد).

صورة لفرج شوشان مع كاتب المقال الأستاذ عادل بن يوسف تعود إلى يوم 2 نوفمبر 2022.

مسيرة الأستاذ فرج شوشان

ولد الأستاذ فرج شوشان يوم 9 أكتوبر 1938 بمدينة القلعة الكبرى بالساحل التونسي وسط أسرة وطنية متعلمة وميسورة. وكان عمّه المناضل الدستوري التونسي والمغاربي عبد العزيز شوشان ووالده السيّد عبد القادر شوشان، وهو مالك عقاري ومن الخريجين الأوائل لمدرسة سمنجة الفلاحية زمن الحماية الفرنسية وصاحب أول سرايا بُنيت بالقلعة الكبرى من طرف مقاول إيطالي سنة 1903 وصاحب أكبر مكتبة عصرية خاصّة بالبلدة تضمّ أمهات الكتب باللغتين العربية والفرنسية تمت سرقتها وإتلافها عند تحوّل أبنائه الثلاث للدراسة والعمل بتونس العاصمة. أمّا جده من الأمّ الهذيلي سلامة فكان من المشجعين على التعليم وله بعد قومي عروبي. وفي سنة 1944 التحق فرج شوشان بالمدرسة الابتدائية القرآنية ابن خلدون في سنتها الثانية.

وبعد حصوله على شهادة ختم التعليم الابتدائي، التحق بمعهد الذكور بسوسة وشارك في الأحداث التلمذية ضد المستعمر الفرنسي سنة 1952. وفي سنة 1962 ولأسباب عائلية اضطرّ إلى الانقطاع عن التعليم والعمل بإدارة دار ترشيح الأساتذة المساعدين بتونس بعد إحداثها بسنة. وبالتوازي مع العمل زاول دراسته العليا بها بقسم العربية وتخرّج منها. لكن ولعه بالثقافة والإذاعة دفعه إلى اجتياز مناظرة بمؤسّسة الإذاعة التونسية ثمّ بالتلفزة فور انبعاثها في ماي 1966 ليصبح منتج برامج بهما ومحرّرا منتظما باللغتين العربية والفرنسية بأهمّ الصّحف والمجلات الثقافية التابعة للحزب الدستوري الحاكم.

وطيلة مسيرته المهنية التي تواصلت على أكثر من 40 سنة، شغل الأستاذ فرج شوشان خططا هامة في الحقلين الإعلامي و الثقافي وهي تباعا:

– مديرا عاما للمركز الثقافي الدولي بالحمّامات لخمس دورات متتالية.

– منتج برامج ثقافية وفنية بالإذاعة الوطنية و بإذاعة المنستير واتحاد الإذاعات العربية.

– منتج برامج ثقافية تلفزية بالقناة الوطنية تؤرّخ للمشهد الثقافي التونسي والعربي وتحوّلاتهما وهي تباعا: “بلا حدود” و “كتاب مفتوح” و “حوارات” و “أخريات”…

و في أوت 1966 أعدّ و صاغ مع عشرة مسرحيّين من بينهم علي اللواتي وتوفيق الجبالي والناصر شمّام ورفيق عبد الهادي وأحمد المرّاكشي ويوسف الرقيق وعبد اللّه رواشد ومنصف السويسي والهادي الحليوي ومحمد الغربي… بيان الإحدى عشر الصادر بجريدة “لابراس” يوم 30 أوت وكان الناطق الرسمي باسمهم و هو يعدّ الوثيقة التأسيسية لحركة التحديث في المسرح التونسي.

وبالتعاون مع زملائه من نقابة الإعلام ساهم مطلع السبعينات في صياغة الفانون الأساسي لموظفي مؤسسة الإذاعة والتلفزة.

وفي برامجه التلفزية حاور المئات من كبار المثقفين والكتاب ورجال الفكر والسياسة بتونس وبالعالم العربي وإفريقيا وفي مقدمتهم الرئيس الحبيب بورقيبة والرئيس والشاعر السنغالي ليوبولد سيدار سنغور الذي أصبح صديقا له و الشاعر والمناضل الفلسطيني محمود درويش و المسرحي المغربي الطيّب الصديقي والكاتب السوداني الطيّب صالح والشاعر والأديب العراقي عبد الوهاب البياتي والشاعر السعودي طاهر عبد الرحمان الزمخشري والمفكّر السوري اللبناني أدونيس و الكاتب الحجازي عبد الرحمان منيف ووزير الثقافة الفرنسي فرديريك ميتران و الأستاذ محمود المسعدي وقرابة مائة أستاذ وباحث جامعي في اللغة والتاريخ والحضارة وعلم الاجتماع والعلوم… من أبرزهم الدكتور هشام جعيّط و الدكتور محمّد الطالبي والدكتور عبد المجيد الشرفي…

كما كتب مئات المقالات باللغتين العربية والفرنسية في صحف ومجلات تونسية وأحنبية متخصّصة. وقد وصفه أستاذ اللغة والآداب الفرنسية بجامعة باري، “جيوفاني دوتولي” (Giovanni Dotoli) في تصديره لكتاب جماعي مُهدى للمسرحي محمّد عزيزة بـ “بِرْنَارْ بيفو تونس”.

وقد أعد و أصدر الأعمال الكاملة لصديقه الكاتب القصصي و المسرحي سمير العيادي.

وفي سنة 2019 صدر له كتاب عن أحد روّاد الرسم في تونس والعالم العربي، “نجيب بلخوجة (1933–2007)”.

وهو متحصّل على عديد الأوسمة والجوائز والميداليات الوطنية والعربية والمتوسطية من بينها وسام الاستقلال الذي قلده إياه الرئيس الحبيب بورقيبة والجائزة الوطنية للثقافة التي قلدها له الرئيس زين العابدين بن علي والجائزة الأولى للمسرح المدرسي لمسرحية “بنادق الأم كرار” لبرتولت براشت حول الالتزام والجائزة الأولى لمهرجان القاهرة والجائزة الأولى للوثائقيات لاتحاد الإذاعات العربية عن رباعية مسلسله الاذاعي “يحي بن عمر” وجائزة الوثائقيات لاتحاد الإذاعات الإفريقية وأوسكار القناة الثانية الفرنسية.

وقبيل وفاته – و رغم فقدانه نعمة البصر – انكبّ المرحوم الأستاذ فرج شوشان على كتابة مذكراته وإتمام أعمال مخطوطة قديمة له قصد نشرها والتعريف بها لدى القراء والباحثين في المسرح والإعلام والذاكرة الثقافية للإذاعة والتلفزة.

والمرحوم فرج شوشان متزوج وأب لابنين وبنت وله أحفاد درسوا في كبرى الجامعات ويعملون في تونس و خارجها.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.