السينما والذاكرة محور ملتقى دوليّ بالجزائر العاصمة

بمناسبة الذكرى السبعين لاندلاع ثورة التحرير الجزائرية وبعد نجاح الملتقى الدولي الأول الذي عقده السنة الفارطة المركز الجزائري لتطوير السينما تحت إشراف وزارة الثقافة والفنون الجزائرية بعنوان “الأرشيف والذاكرة”، انتظم برحاب نزل الأوراسي بمدينة الجزائر البيضاء أيّام 09، 10 و 11 ديسمبر 2024 الملتقى الدولي الثاني حول “السينما والذاكرة: نافذة على الماضي ورؤية للمستقبل” بتنظيم من نفس المركز تحت إشراف وزارة الثقافة والفنون ورعاية من فخامة رئيس الجمهورية، السيّد عبد المجيد تبّون.

د‌.عادل بن يوسف

وقد تولى كل من الدكتور جمال اليحياوي (رئيس اللجنة العلمية للملتقى ومدير المركز الوطني للكتاب) والدكتور عكروت الخميلي (عضو اللجنة العلمية للملتقى)، توجيه دعوة لي للمشاركة في أشغال هذا الملتقى، بعد أن قدّمت في ندوة دوليّة عُقدت بجامعة قالمة يومي 08 و 09 ماي 2024، ورقة علمية حول “مجازر سطيف وقالمة قي السينما الجزائرية والعالمية” بمناسبة الذكرى التاسعة والسبعين لمجازر المستعمر الفرنسي في سطيف وقالمة والخرّاطة، فلبيّتُ الدعوة دون تردّد، مساهمة مني في إحياء ذكرى عزيزة على بلديْنَا وشعبينَا الشقيقين، ألا وهي “غرّة نوفمبر 1954 المجيد” (كما سمّاه شاعر الثورة الجزائرية ونزيل تونس لعقود، الشيخ مفدي زكرياء [1908-1977].

يجدر التذكير بالحرص الشديد لوزير الثقافة والفنون المعيّن بموجب تعديل وزاري جزئي أقرّه الرئيس عبد المجيد تبّون يوم الاثنين 18 نوفمبر 2024،  السيد زهير بلّلو على عقد الملتقى الدولي الثاني “السينما والذاكرة” في موعده مع الثالوث العامل معه وهم السادة:  بزيع شدّاد (مدير تطوير الفنون و ترقيتها)، المنسّق العام للملتقى و الدكتور عبد الرزاق بابا (نائب مدير مدير تثمين التعابير التقليدية والشعبية)، رئيس للجنة تنظيم الملتقى والدكتور جمال يحياوي (مدير المركز الوطني للكتاب)، رئيس اللجنة العلمية للملتقى. 

أهداف الملتقى، إشكاليته  ومحاوره:

رسم الفريق العلمي الذي أعدّ لهذا الملتقى جملة من الأهداف وهي:

  • تثمين دور السينما خاصة في المقاومة والثورة.
  •  إبراز صدى الثورة الجزائرية في السينما العالمية.
  • التأكيد على دور الريبرتوار السينمائي الثوري بوصفه رصيدا وثائقيا في خدمة الذاكرة.
  •  التذكير بجهود أعلام سينما المقاومة وصناعها ودورهم في دعم قضايا التحرر.
  • تسليط الضوء على صور التعاطف والتضامن العالمي مع القضايا العادلة.

وطرح الملتقى على نفسه علاقة سينما المقاومة بالذاكرة، وهي إحدى الفنون التي تبنّت المقاومة والتحرّر والقضايا العادلة، سواء من طرف الجزائريين أو أحرار العالم أينما كانوا فجاءت اشكاليته كالآتي: كيف ساهمت السينما في خدمة المقاومة وقضايا التحرر وما هي علاقتها بالذاكرة؟

وقد تفرّعت عن هذه الإشكالية التساؤلات الفرعية التالية: 

– كيف تمثلت التجربة السينمائية للمقاومة الجزائرية أثناء الثورة التحريرية وبعدها؟ 

 – ما هي أبرز التجارب السينمائية التحررية في العالم؟ 

– كيف تؤثر السينما في بناء الذاكرة والحفاظ عليها؟

 -ما هي التحديات التي تواجه فيلم المقاومة من حيث التثمين والترويج …؟ 

– أيّ مستقبل لسينما المقاومة في ظل التحولات الراهنة؟

أمّا محاور الملتقى فتمّ توزيعها إلى ستّة محاور رئيسية وهي تباعا:

– دور السينما في تشكيل الوعي التحرري.

– تجربة السينما الجزائرية أثناء وبعد الثورة.

– التجارب السينمائية التحررية في العالم.

– السينما بين بناء وهدم الذاكرة.

– إشكاليات تثمين وترويج الفيلم المقاوم.

– مستقبل السينما في ظل التحولات الراهنة.

افتتح الملتقى وزير الثقافة والفنون الجزائري، زهير بللو صباح يوم الاثنين 09 ديسمبر 2024. وجرى حفل الافتتاح بحضور كل من: رئيس المجلس الشعبي الوطني، السيّد إبراهيم بوغالي ووزير المجاهدين وذوي الحقوق، السيّد العيد ربيقة والمجاهد والوزير الأسبق دحّو ولد قابلية ورئيس المرصد الوطني للمجتمع المدني، السيّد نور الدين بن براهم والمدير العام لمؤسسة التلفزيون الجزائري، السيّد محمد بغالي، إلى جانب مجاهدين وإطارات وفنانين وممثلين عن السلك الدبلوماسي المعتمد بالجزائر. وتمّ في مستهلّ الافتتاح عرض الشريط الترويجي للملتقى من إنتاج التلفزيون الوطني الجزائري.

تكريم مجموعة من السينمائيّين والممثّلين

بعد الكلمات الرسمية للافتتاح، تولّى وزير الثقافة تكريم ثلّة من الفنانين الجزائريّين البارزين في مجال السينما الثورية من مخرجين وممثلين وهم تباعا كل من المخرجين الراحلين عمار العسكري والطاهر حناش وبن عمر بختي، إلى جانب تكريم خاص للمخرجين أحمد راشدي ورشيد بوشارب، إضافة إلى الممثلة نادية طالبي.

كما شمل التكريم عددا من السينمائيين الأجانب من أصدقاء الثورة التحريرية الذين دعّموا بكاميراتهم وبمختلف وسائلهم الإبداعية نضال الشعب الجزائري وهم كل من: المصور الصربي ستيبان لابيدوفيتش (يوغسلافيا سابقا) والمخرج الفرنسي روني فوتيه، والمخرج الإيطالي جيلو بونتيكورفو، والمخرج الكوبي ميلتون ألبيرتو دياز كانتر، الذين أنتجوا أفلاما وأشرطة وثائقية كانت خير شاهد على عدالة القضية الجزائرية ورسالتها العادلة إلى كافة شعوب العالم.

ستّ جلسات علميّة و31 مداخلة علميّة:

تضمّن الملتقى ستّ جلسات علمية وإحدى وثلاثين مداخلة أثّثها أكادميّون وباحثون ومؤرّخون ومخرجون ومنتجون ونقّاد في مجال الفنّ السابع، انتظمت جميعها بقاعة المحاضرات الأنيقة بنزل الأوراسي. وقد رصد من خلالها أصحابها القادمين من 16 دولة موزعين على أربع قارات، عديد الإشكاليات ذات الصلة بالسينما بحضور طلبة الدفعة الأولى للمعهد العالي للسينما بالقليعة وعددهم أربعون طالبا.

هذا وقد نزل على الملتقى ضيوف من عدة جامعات وباحثين ومخرجين شاركوا في النقاش في أعقاب كل جلسة علمية…

ندوة مفتوحة حول التحوّلات الراهنة للسينما:

تحت عنوان “بين التوثيق والابتكار، كيف تتكيّف سينما المقاومة والذاكرة مع التحولات الراهنة؟” وبرئاسة الأستاذ عبد الناصر خلاّف، خاض المخرجون الجزائريون ونظرائهم ضيوف ندوة “السينما والذاكرة” في عدة إشكاليات من أهمّها: 

– كيف تؤثر التحولات الرقمية و تغيّرات السوق السينمائية و التحديات الجيوسترايجية على أساليب السينما في تصوير المقاومة و إحياء الذاكرة الجماعية؟

– ما هي الرهانات الجديدة التي تواجه هذا النوع من السينما في توثيقه للتاريخ و عرضه في الوقت نفسه ليبقى قادرا على جذب الجمهور و مواكبة المستجدات العالمية؟

– كيف تساهم عمليات حفظ الرييَرتوار (الرقمنة و الترميم) في حفظ الذاكرة والتاريخ.

وقد أثّث أشغال هذه الندوة مخرجون بارعون على الساحة وهم تباعا: أحمد راشدي و مؤنس خمار رشيد بوشارب ورشيد بن حاج و فاطمة وزّان (من الجزائر) و الأستاذ “أندريا دي ناردو” المدير التنفيذي لشركة “Laser film” (من إيطاليا).

لم تكن السياحة غائبة عن اهتمامات الساهرين على أشغال الملتقى حيث تمّ تنظيم زيارات للمشاركين إلى كل من: قصبة الجزائر و سوق ساحة الشهداء و متحف المجاهد و المتحف المركزي للجيش. كما شاهد المشاركون شريطا سينمائيا ثوريا مرمّما (Restauré) مؤخرا في إيطاليا بعنوان “تحيا يا ديدو “ للمخرج الراحل محمد زينات [1932-1995] بقاعة ابن زيدون. كان هذا الشريط التحفة قد عرض على المشاركين في الدورة 12 لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي خلال مطلع شهر أكتوبر الفارط.

حفل عشاء أحيته فرقة للمالوف الجزائري

في اختتام الملتقى، تولى وزير الثقافة والفنون، السيّد بللو تكريم كل من ساهم في إنجاح هذا المتلقى الدولي، على غرار المؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري والتي كانت الراعي الإعلامي للملتقى الدولي. كما قام الوزير بتكريم رئيس اللجنة العلمية للملتقى، الدكتور جمال يحياوي ومن خلاله أعضاء اللجنة العلمية الذين سهروا على إنجاح هذا المنتدى الدولي.

وعقب ذلك قام الوزير بتكريم رئيس لجنة تنظيم المتلقى الدولي ومن خلاله جميع أعضاء لجنة التنظيم. ودعا كل المشاركين في الملتقى إلى عشاء على وقع أداء فرقة متميّزة للمالوف الجزائري الأصيل.

ندوة في مدرّج المعهد العالي للسينما

خلال اليوم الأول لملتقى “السينما والذاكرة” المقام بنزل الأوراسي التقى وزير الثقافة والفنون  زهير بللو  بطلبة المعهد الوطني عالي للسينما (INSC) بالقليعة (ولاية تيبازة) المشاركين في أشغال الملتقى الدولي الجزائر العاصمة.

وجاء هذا اللقاء بمبادرة من الوزير قصد تشجيع الطلبة وحثهم على التكوين الجيد في مجال السينما، باعتبارهم الدفعة الأولى لأول معهد للسينما بالجزائر الذي من بين أهدافه النهوض بالسينما الجزائرية وحثهم على أن يعملوا على تشريف السينما الجزائرية في المحافل الوطنية والقارية والدولية. حيث شارك الطلبة بدورهم الوزير تطلعاتهم المستقبلية في المجالات المختلفة التي أتاحها المعهد على غرار الصورة وتركيب الفيديو وكتابة السيناريو والصناعة السينمائية…، خدمة للسينما الجزائرية، التي تعدّ من أولويات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبّون الذي كان منذ عهدته الرئاسية قد تحدّث عن أهمّية السينما والرهان عليه من خلال التكوين البيداغوجي والأكاديمي بقوله:”… إنّ دور السينما مهم ومحدد في صناعة فكر الفرد الجزائري والمجتمع ككل…”. كما أكّد على أهمية الفن السابع ودوره في تشكيل إدراك الفرد، خاصة في عصر الصورة الذي نعيشه. وتأكيدا لذلك أمر بتشجيع كل المواهب والطاقات السينمائية، وبجعل سنة 2024 “عام انطلاق الإنتاج السينمائي”. 

و على هامش الملتقى الدولي “السينما والذاكرة” تمّ يوم الخميس 12 ديسمبر 2024 تنظيم ندوة دراسية وحوارية بعنوان “تطوّر سينما العالم الثالث في ظلّ التكنولوجيات المعاصرة” بمدرّج المعهد الوطني العالي للسينما بالقليعة لفائدة طلبته. وقد قدّم في هذه الندوة كل من الأستاذين عادل بن يوسف والهادي خليل (من تونس/ جامعة سوسة) مداخلتين حول “تاريخ السينما التونسية في قرن: 1922-2022” و “تقنيات الصورة في شريط ريح الأوراس لمحمّد الأخضر حمينة” وكل من الدكتور أحمد شعبان (من سوريا/ جامعة دهوك) والأستاذين لوكا بيريتي و أندريا برنادورو(من إيطاليا/ كلية الفنون والعلوم، جامعة ريتشموند و المدير التنفيذي لشركة “Laser film)، ثلاث مداخلات تدور حول صعوبات وتقنيات الصناعة السينمائية في عالمنا اليوم. وتبادل المحاضرون مع الطلبة الأفكار حول مشاريعهم البحثية مستقبلا في مجال الصورة والصوت والسيناريو.

توصيات الجنة العلمية:

في نهاية اليوم الأخير من الأشغال، وبعد سلسلة التكريمات وتوزيع الشهادات للمشاركين في الملتقى الدولي “السينما والذاكرة”، تمت قراءة توصيات الملتقى و قدمت  اللجنة العلمية عدة مقترحات من أهمّها: نشر أشغال الملتقى والحفاظ على استمراريته مع توسيع مجالات الطرح  على أن يكون عنوان الدورة القادمة “السينما والدبلوماسية الثقافية: دور القوة الناعمة في التحولات الراهنة”. كما  أوصت بـ “ضرورة الانفتاح على تجارب سينما المقاومة في بلدان أخرى  باستضافة سينما مقاومة من فلسطين الحبيبة، التي ستكون ضيف شرف الدورة القادمة”.

و دعت اللجنة العلمية إلى: “تعزيز وإدراج قيم ومضامين سينما المقاومة في مختلف المجالات وفي مقدمتها الوسطين المدرسي والجامعي من أجل ترسيخ قيم الثقافة الوطنية…  وتثمين الأعمال الهادفة في مجال السينما والذاكرة والتي تعمل على نشر الوعي التحرّري وتسليط الضوء على القضايا العادلة في العالم…”.

كما اقترحت “تشجيع تشكيل تكتلات سينمائية بهدف كسر الاحتكار العالمي للسينما من قبل الشركات السينمائية الغربية التي تروج لمضامين استعمارية”  وذلك بغاية “خلق حصانة ثقافية وطنية في مواجهة إكراهات السينما العالمية”.

و  طالبت ذات اللجنة بـ “ترميم المكتبة السينمائية (La Cinémathèque) الوطنية الجزائرية خدمة للتاريخ والذاكرة الوطنية وحفظه من التلاشي والاندثار”  و “العمل على استرجاع الأرشيف السينمائي والتاريخي الموجود في دور الأرشيف  بالخارج وإتاحته للباحثين وصنّاع السينما”.

وفي مجال التكنولوجيات الحديثة دعت اللجنة إلى “إنشاء بنك رقمي للإنتاج السمعي البصري والسينمائي الجزائري المتعلق بالذاكرة  لتحقيق الأمن الثقافي  و توسيع استخدام الرقمَنة والتكنولوجيات الحديثة في مجال السينما والذاكرة إنتاجا وتوزيعا وعرضا”.

هنيئا لوزارة الثقافة والفنون الجزائرية وللجنتين، التنظيمية والعلمية وللشعب الجزائري الشقيق عموما على نجاح أشغال الدورة الثانية للملتقى الدولي الموسوم بـ “السينما والذاكرة “. وشكر جزيل لكل الإخوة الذين سهروا على حسن تنظيم هذا الملتقى وحفاوة الاستقبال وكرم الضيافة ومرحبا بهم جميعا في تونس للمشاركة في تظاهرات أكاديمية إحياءً لمحطّات تاريخيّة مشتركة مثل العدوان الفرنسي على ساقية سيدي يوسف على الحدود التونسية الجزائرية يوم 08 فيفري 1958…، تكريسا للأخوّة التونسية- الجزائرية وتأسيسا لحلم راود شعوب المنطقة منذ عقود، ألا وهو بناء مغرب عربيّ كبير واحد.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.