استعمارٌ بطعم الحرية في سوريا، على من سيكون الدور التالي؟

نذكّر الذين فرحوا كثيرا بتمزيق سوريا ما الذي سيحدث اليوم بهذا البلد وخلال السنوات القادمة؟ لأن الدول الكبرى تسعى إلى إضفاء نظام عالمي جديد يزيح فكرة مقاومة الاحتلال من قاموسه إلى الأبد ويبني دولا خانعة لهذا النظام الجديد دون مقاومة تذكر حتى بمجرد اللسان. وكما يقول القذافي “على مَنْ سيكون الدور التالي”؟

فوزي بن يونس بن حديد

ركزت جميع القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من أدوات الاتصال على هروب بشار الأسد من سوريا وانتصار المعارضة على الجيش السوري، وسارعت إلى بثّ هذه المشاهد مباشرة للمُشاهد العربي وغير العربي، وبيّنت أن النظام السابق كان بشِعًا إلى حدٍّ كبير من خلال ما تراءى لها من سجون سرية فوق الأرض وتحتها، وكيف كان الناس يعانون من بطش النظام وأعوانه، وبعد أن ساد الضباب وعمّ المكان وأصبح الناس جميعا لا يرى إلا من عين واحدة وهي كيف أن الشعب السوري نال حريته، وتخلّص من النظام السوري وهرب أعوانه إلى خارج البلاد، وبدأت المعارضة تركن إلى السياسة بعد أن كانت تزأر في الميدان.

والمتأمّل في ما حدث في سوريا يدرك يقينًا، أن ما حدث فعلا هو اتفاق سري تم بين الأطراف المتآمرة على سوريا من قديم الزمان، وهي الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وتركيا وقطر وهي الأطراف التي دعمت كل الطوائف الداعشية لدخول سوريا في المرحلة الأولى، حيث كانت أمريكا هي الداعم الأساس لتشجيع كل متمرّد على النظام السوري بالسلاح والمال وسيطرت على جزء من سوريا من جهة الأردن وأقامت قاعدة كبيرة وهي قاعدة التنف تقع على بعد 24 كم من الغرب من معبر التنف (الوليد) عند المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني، في محافظة حمص، وأعلنت من خلالها أمريكا أنها تحارب تنظيم داعش التي صنعته بنفسها، ولكنها في الحقيقة تتجسّس على النظام السوري وتحاربه بشتى أنواع الأساليب والوسائل، حيث استطاعت السيطرة على مكامن النفط في هذا البلد وتسرق 82% من النفط السوري في أسوأ عملية تقوم بها دولة مستعمرة امبريالية لا أخلاقية.

اتفاق يطبخ له من تحت الطاولة

وفي الجانب الآخر، مزّقت تركيا البلد الجار، بعد أن اعتقدت أن الأكراد في سوريا يمثلون الخطر الكبير المتجه نحوها خاصة بعد سيطرة الأكراد (قسد) على جانب مهمّ في سوريا حيث كانت الحسكة التي تسكنها أغلبية كردية منطلقا لهم لمحاربة النظام السوري، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية أبرز الداعمين لها من جهتين، للضغط على الحكومة السورية من جهة والضغط على تركيا أردوغان الذي يعتبرها حركة متمردة وخطيرة عليه من جهة ثانية، وبدأ يسيطر قسد على شمال شرق سوريا
زاعما أنه يحارب تنظيم الدولة داعش، وبدأ يفكر في إقامة حكم ذاتي إلا أن الظروف السياسية لم تكن مواتية في ذلك الوقت.

أما قطر فقد كانت الداعم المادي الأساس لهذا التحرك ضد بشار الأسد بدعوة أمريكية وضغط منها، حيث موّلت الحركات المناوئة لبشار الأسد ونظامه بكل قوّة وقد اعترف وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم بذلك في أكثر من مقابلة صحفية، بعد أن أدرك أن زحزحة النظام في ذلك الوقت بعيد المنال، وأعادت قطر الكرّة لمّا رأت أن الوقت قد حان، وأن أمريكا وإسرائيل وتركيا بدأت التحرك من جديد لإبرام اتفاق يُطبخ له من تحت الطاولة وأنه لا فائدة من إعادة العلاقات إلى سالف عهدها خاصة بعد أن هدأت الأوضاع نوعا ما في سوريا.

وبالتالي نحن أمام مشهد غريب، بلد يتمزق، بين نظام متحالف مع روسيا وإيران يمثل المقاومة ومحاربة العدو الصهيوني، وبين قوى غربية استعمارية امبريالية قسّمت سوريا إلى قطع متناثرة، كل قطعة تسيطر عليها قوة مستعمرة، فاحتلت أمريكا الأماكن الحدودية مع الأردن والعراق بزعم محاربة داعش، واحتلت تركيا عدة مناطق من حلب والرقة والحسكة تضاهي 1000 بلدة بزعم محاربة الأكراد وداعش

أيضا وتعتبرهما حركات إرهابية، واستحلت الأراضي السورية واستباحتها كما تفعل إسرائيل اليوم بغزة لإقامة مناطق عازلة وتُبعد عن حدودها ما يسمى بالانفصاليين الأكراد.

وهكذا ظلت سوريا مسرحًا لعمليات كرّ وفرّ بين جميع هذه القوى التي اتفقت جميعا على ما يبدو على عدم خوض حرب فيما بينها، كما اتفقت على تدمير كل ما يأتي من النظام أو حركات المقاومة، لتبقى سوريا جريحة ومكلومة إلى أن يحين دور إسرائيل، وقد جاء هذا الدور بعد أن فشلت الصهيونية في تحقيق انتصار على حزب الله في لبنان والقسّام في غزة رغم التدمير الهائل الذي لحق بلبنان وغزة، وبعد أن ضغطت القوى الكبرى التي تتبع مصالحها العليا لا القانون الدولي -الذي تم دفنه منذ
سنوات وربما عقود حيث البقاء للأقوى-، لتتفق على خروج الأسد بأمان من سوريا مقابل تعهّدٍ من أمريكا بأن تُنهي حرب أوكرانيا التي أثقلت الجانب الروسي كثيرا وكانت سببا في تنازل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن مساندته النظام السوري وإبقاء الأسد على سدة الحكم، فحدث ما يشبه المعجزة أو الحلم في سوريا.

انهيار الجيش السوري بين عشية وضحاها

وفجأة تقدمت المعارضة السورية في أيام معدودة نحو دمشق، وبين عشية وضحاها تم الإعلان عن انهيار الجيش السوري وتقدّم المعارضة التي قادها أحمد الجولاني وأعلن بعدها انتهاء حقبة الأسد بلا قتال مما يوحي أن هناك اتفاقا قد جرى بين جميع الأطراف المتنازعة حول سوريا، لكن الفضائيات الإعلامية تناقلت الخبر باعتباره نصرًا مؤزّرا للمعارضة السورية التي وجدت نفسها أمام امتحان كبير ولتقدم هدية كبيرة للشعب السوري.

والذي يتضح يومًا بعد يوم، أن إسرائيل هي المستفيدة الأولى مما يجري في سوريا أمام خسارة كبيرة ومدوّية للعرب في كل مرة، فهي قد أزاحت النظام السوري بلا خسارة واستطاعت كسر المقاومة السورية التي كانت جبهة مساندة لغزة وحزب الله بلا حرب مباشرة مع نظام الأسد، وسمحت الأحداث الجديدة بأن تتعدى إسرائيل الخط العازل أو الفاصل بينها وبين سوريا من غير مقاومة ولا تنديد وبدأت عملياتها العسكرية في سوريا بكل حرية ودون تقييد، فدمرت أكبر قاعدة عسكرية وشنت ضربات جوية عديدة واحتلت بعض البلدات السورية وطالبت أهاليها بإخلائها فورا، وما تصريح الجولاني بأنه غير معني بالحرب مع إسرائيل إلا دليل على موافقته على أعمالها في سوريا.

تحقق نبوءة كونداليزا رايس بنشر الفوضى الخلاقة

فما يجري في سوريا هو تفكيك بلد عربي كان يومًا بلدا واحدًا، وما يجري في سوريا هو تقسيم لدولة مستقلة لها سيادتها، كما تم تقسيم من قبلها العراق والسودان وليبيا وإحداث فوضى بها، وبذلك تتحقق نبوءة كونداليزا رايس بنشر الفوضى الخلاقة وإنشاء شرق أوسط جديد يعتمد في الأساس على تقسيم الدول العربية إلى دويلات صغيرة، واحتلالها والسيطرة على مقدراتها وخيراتها وثرواتها.

ونذكّر الذين فرحوا كثيرا بتمزيق سوريا ما الذي سيحدث اليوم بهذا البلد وخلال السنوات القادمة؟ لأن الدول الكبرى تسعى إلى إضفاء نظام عالمي جديد يزيح فكرة مقاومة الاحتلال من قاموسه إلى الأبد ويبني دولا خانعة لهذا النظام الجديد دون مقاومة تذكر حتى بمجرد اللسان.

فما حدث وما سيحدث هو احتلال واستعمار في ثوب جديد وبادعاءات وتبريرات جديدة لا أساس لها من الصحة، وكما يقول القذافي “على مَنْ سيكون الدور التالي”؟

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.