يقول الله تبارك وتعالى: “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين” فلا صبر المسلمون ولا تحمّلوا بل تنازعوا وفشلوا في الإبقاء على هذه القوة التي فتكت بأعدائهم يوما وجعلتهم أعزّاء وأقوياء، رحماء بينهم، أشدّاء على الكفّار والمنافقين والمشركين. فمتى سينهضون من سباتهم و يتحركون وينفضون عنهم غبار الأوهام والخرافات والميتافيزيقيات ؟
فوزي بن يونس بن حديد
كثيرا ما تحدثت الشيعة وأهل السنة عن الإمام الغائب أو المهدي المنتظر الذي سيأتي ويخلّص الإنسانية من الظلم والجور والبطش الذي يمارسه الإنسان في حق أخيه الإنسان وينشر العدل والمساواة بين الناس ويُحقّ الحقّ ولو كره الكافرون، وكثيرا ما كانت هذه المذاهب ترسّخ هذه العقيدة في مريديها باعتبارها المكوّن الأساس للتعبير عن التميز العقائدي في خريطة الإسلام العامة، وقد شكلت هذه المنظومة مفاجأة حقيقية للمذاهب منذ قديم الزمان، حيث أثبتها أهل السنة والجماعة ونفاها المذهب الإباضي وغيرهم من العلماء والفقهاء والمجتهدين بل إن بعضهم اعتبرها من الخرافات والأوهام التي لا أساس لها من الصحة نقلا وعقلا، فكيف يبقى الناس يرزحون تحت الظلم والجور والبطش إلى أن يأتي الخلاص من هذا الذي يسمّى المهدي الذي لا تدل أوصافه على أنه سيأتي، بل إن المؤشرات والدّلالات تبين أن ذلك لن يحدث أبدا حتى ولو تبدّل الزمان والمكان,
فكرة المهدي المنتظر التي ظهرت مع ظهور الدولة الأموية حسب المؤرخين، فكرة لها أصولها وهي ترتبط بعقيدة صنع الخطط لإفشال
المسلمين بعد أن تمكنوا من السيطرة على العالم وإهانة الفرس والروم وجميع القوى الكبرى والحضارات العظمى في ذلك الوقت ولفتت
الأنظار إليها شرقا وغربا، فكيف برجل عربي أمّيّ جاء من الصحراء أن يقلب الأوضاع عليهم ويدعوهم إلى عبادة رب واحد مُنهيا جميعا
أساطيرهم وميتافيزيقياتهم وإقصائها من المشهد المعتاد، ليتبنى العالم نظرية الإسلام القائمة على عبادة الواحد القهّار، وفرض عقيدة التوحيد عبر وسائل السِّلم والسّلام إلا من أبى ورفض وجحد ونكر واعتدى فإن نصيبه من القتال آتٍ لا محالة عبر فتوحات وفيوضات من الرحيم الرحمن. فلما رأت القوى العظمى زحف المسلمين نحوهم، وأدركوا الخطر الداهم لإزالة حكمهم، بدأوا يحيكون المكائد لإيقاف هذا الوافد الجديد، وعندما فشلوا في التصدي له عبر المعارك بالسيف والرمح والنبال، بدأ يفكرون في طرق ووسائل أخرى أكثر نجاعة تدمّر المسلمين من الداخل وتفرّقهم أحزابا وشِيَعا وفِرقا متناثرة فيتسلل الضعف إلى جسد الأمة الواحدة وتنهار بسرعة البرق ويخفت صوتها ويذهب بريقها وريحها، ورغم تحذير المولى عز وجل المسلمين من هذا الأمر صراحة في كثير من الآيات وأمره بالتنبّه لمكائد الأعداء وتربّصاتهم إلا أنهم وقعوا في الفخ وركنوا إلى هذه الدّعوات وأساليبها الماكرة، يقول الله تبارك وتعالى: “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين” فلا صبروا ولا تحمّلوا بل تنازعوا وفشلوا في الإبقاء على هذه القوة التي فتكت بأعدائهم يوما وجعلتهم أعزّاء وأقوياء، رحماء بينهم، أشدّاء على الكفّار والمنافقين والمشركين.
تشتيت الصفّ الإسلامي
ولقد برع اليهود خاصة والمنافقين عامة في تشتيت الصفّ الإسلامي، عبر بثّ الدعوات والأخبار والعقائد غير الصحيحة لزرع الفتنة بين
المذاهب والأفكار، وتغليب فريق على فريق عبر تكفير أحدهما الآخر والتمسك بالرأي الواحد، وإقصاء المخالف، فشهدت الساحة الإسلامية مجموعة من الأفكار لم تكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مطروحة لأن الناس في وقتها فاهمون ومنشغلون بالدعوة الإسلامية التي بلغت الآفاق، فمسائلُ مثل خلق القرآن والخلود في النار والشفاعة والصراط وعرش الرحمن ورؤية المولى سبحانه وتعالى في الدينا والآخرة أو في الآخرة فقط أو استحالتها لا في الدنيا ولا في الآخرة، وأخرى سياسية لها صلة وثيقة بالحكم لزعزعة الحكم الإسلامي المتماسك مثل هل يجوز الخروج على الحاكم الظالم؟ أو البقاء تحت حكمه ولو كان جائرا، أو يجوز في بعض الحالات دون الأخرى؟
كل هذه المسائل أوجدت بحوثا وأقوالا وتفاسير متعدّدة ومتباينة ومتناقضة أحيانا وصلت لحدّ تكفير فريق دون فريق، بل وصلت إلى حدّ
قتال الفريق المعارض، وهذا ما حدث فعلا خلال القرون السابقة من التاريخ الإسلامي، فتمزقت الأمة الإسلامية وبرع الفريق الآخر في
تشتيت شملها وكسر وحدتها وإضعاف قوتها.
ومن بين المسائل التي يقف المسلم عندها حيرانا، خاصة ونحن نعيش أجواءً من الألم الكبير في ظل ما يتعرض له المسلمون في كامل أصقاع الأرض من إبادات جماعية ينده لها الجبين، لكن المسلمين ينسون ما يتعرض لهم إخوانهم، ويكفي أن نتحدث عن آخرها في هذا الزمان، هل تتذكرون ما حدث في البوسنة والهرسك من إبادات؟ هل تتذكرون ما حدث لإخواننا في بورما من إبادات؟ هل تتذكرون ما حدث لإخواننا في الهند من إبادات؟ وهاهم إخواننا في غزة يبادون، والجامع بين هذه الإبادات أن من يحاربهم كفّار مشركون منافقون.
إبطال فريضة الجهاد
ومن بين الأفكار التي زرعوها في قلوب المسلمين وغرسوها، فكرة المهدي المنتظر الذي سيأتي وسيخلّص المسلمين من الظلم والجور
والطغيان، ومنذ ذلك الوقت إلى الآن لم يأت، والطغيان في ازدياد متواصل عبر قرون من الانهيار والخذلان والتكاسل، وتجميد فريضة الجهاد في سبيل الله، وفريضة الاجتهاد التي تسمح للمسلمين بتغيير آراء الفقهاء والعلماء حسب مقتضيات العصر والأحداث الجديدة، فهل سنظل نحن المسلمين حبيسي هذه الأفكار القديمة الرثّة، أم ينبغي تغاضي الطرف عنها وإبطال ما لا يصلح منها لأنه يتعارض مع العقيدة الصحيحة التي لا تسمح للركون والكسل وانتظار ما يسمى المهدي المنتظر.
ويبدو أن هذه العقيدة أقرب إلى العقيدة اليهودية، غرسها اليهود عبر أفكارهم المسمومة في جسد الأمة الإسلامية، يُراد منها إبطال فريضة الجهاد وبث الفرقة في صفوف المسلمين، وقد برعوا في ذلك إلى حدّ بعيد جدا، فأضحت الأمة كالشاة الضائعة التائهة في صحراء قاحلة يأكل منها الذئاب كلٌّ حسب حصته، حتى إذا نحُلت أو ضعُفت، هلكت واندثرت وصارت عظامًا رميمًا، وهذا فعلا ما يحدث.
فإذا كانت هذه العقيدة صحيحة فلماذا لم يأت المهدي المنتظر، وماذا ينتظر؟ وإلى أي وقت سنبقى ننتظر؟ ألا يكفي ما فعله الصهاينة
المجرمون لكي نتحرك وننفض عنا غبار الأوهام والخرافات والميتافيزيقيات من جديد، ونلبس لبوس الإسلام الصحيح؟
شارك رأيك