هل ما زال أمل في تحقيق استقلالية القضاء في تونس ؟

لأن الحديث عن دور القضاء في المجتمعات الحديثة مهم و متشعب و ذو شجون فلا بد من الدخول مباشرة في الموضوع و عليه يجدر التساؤل هل أن المواطن اليوم  راض عن القضاء و عن المؤسسة القضائية و هل يعتبرها سلطة أم مجرد إدارة ملحقة بالسلطة التنفيذية و هل أن هناك أمل و لو بسيط جدا في إصلاح المنظومة القضائية و ما هي الخطوات المطلوبة لإنقاذ هذه المؤسسة و هل أن هناك في تونس تطبيق فعلى لما يسمى  باستقلال السلطات ؟

أحمد الحباسي

هذه مجرد أسئلة متداولة في الشارع مما يؤكد فعلا أن القضاء التونسي و بقدر أهمية دوره  كمطلب من مطالب المواطنين فإن هناك شعور بالخذلان و بشبه قطيعة مع  هذا الدور بل أننا لا نذيع سرا حين ننقل أن القضاء قد أصبح محل اتهام صريح و متكرر بكونه قضاء يتحرك لخدمة مائة في المائة من مطالب السلطة و يقوم بدور يكاد يكون معدوما و متأخرا  في انجاز العدل و بسط قيم العدالة في نفوس المتقاضين على مختلف مطالبهم و مشاربهم.

اتهام المواطن للقضاء بإنكار العدالة

لا أحد ينكر أن هناك قضاة شرفاء و أن هناك نضالات مشرفة لفرض هيبة القضاء و احترام استقلاليته التي طالما وجدت نفسها مصادرة أو مطلوب تدجينها و ضربها في الصميم من كل سلطة تداولت على حكم هذا البلد و لكن علينا اليوم أن نعاين حقيقة ماثلة للعيان لم يعد مقبولا السكوت عنها و هذه الحقيقة تقول أن  المواطن قد بدأ يفقد ثقته في منظومة العدالة التونسية برمتها بل أن الأمر قد وصل بالبعض إلى الحديث عن مفهوم معلوم و لكنه لم يكن متداولا من قبل و هو اتهام القضاء بإنكار العدالة في إشارة إلى البطء الشديد و القياسي الذي  يستغرقه النظر في القضايا و البتّ فيها ناهيك أن معدل النظر في قضية استعجالية عادية على سبيل المثال لا يقل عن أربعة أشهر فما فوق و إذا أضفنا البطء في  تلخيص الحكم و رقنه و ما يستغرقه ذلك من وقت ليصبح الحصول على حكم استعجالي لدرء خطر داهم و متأكد يتطلب ما لا يقل عن ستة أشهر. المشكلة أنه لا أحد في السلطة يهتم و لا أحد يتحرك لإنقاذ القضاء من نفسه و من وساوس السلطة التي ما انفكت تستهجن هي أيضا هذا الأمر و بصوت رئيس الجمهورية نفسه أكثر من مرة. أين يكمن موطن الخلل إذن ؟

ربما أراد الحزب الدستوري الحر أمس بوقفته الشعبية أمام المجلس الأعلى للقضاء أن يلفت نظر الرأي العام إلى ما تتعرض له زعيمته من سوء معاملة و بطء مستراب في النظر في الملفات التي يجمع المتابعون أنها ملفات خيّطت على المقاس لحرمانها من حقها الدستوري في الترشح للانتخابات الرئاسية الماضية و ممارسة المعارضة للنظام القائم الذي تتهمه من بين جملة الاتهامات بكونه يمارس الضغوط على القضاء بعد أن حول المؤسسة القضائية إلى تابعة للدولة مع اللجوء إلى لغة التهديد المباشر للقضاة أنفسهم إضافة إلى تحوير نظام القضاء ليصبح القاضي مجرد موظف لدى الدولة بما يجعله خاضعا نفسيا و مهنيا للسلطة الحاكمة.

السؤال بعد هذه المظاهرة و ما سبقها من بعض التحركات الأخرى هو هل استفاق القضاء أو بدأ يشعر بأنه قد فقد ثقة الشعب أو أنه يسير عكس التيّار و عكس المهمة النبيلة التي كان من المفروض أن يقوم بها خدمة لمفهوم العدالة  ليصبح مجرد عصا غليظة يستعمله السياسي لضرب المواطن المعارض؟

استغلال ضعف مؤسسة القضاء

فى الحقيقة و بكامل الموضوعية لا أحد بإمكانه اليوم أن يجزم أن القضاة قادرون على نزع رداء السلطة المفروض عليهم و القيام بخطوات تصعيديه طمعا في استعادة هيبة القضاء.بطبيعة الحال، هناك من يريد استغلال ضعف مؤسسة القضاء أو محاولة السلطة استضعافها بدفعها للدخول في معركة مباشرة مع المتقاضين و هناك من يبحث عن غنائم معينة ظنا منه أن البقاء في مربع مواجهة النظام معركة خاسرة  خاصة في ظل الانقسامات و الأدوار الخفية و الضرب تحت الحزام و اللعب على كل الحبال من هنا و هناك و لعل معركة استقلال القضاء عن السلطة لم تعد مغرية لأحد بعد نفاذ المحاربين و خلوّ الساحة إلا من بعض الرموز الذين يجدون أنفسهم مرة أخرى في عزلة مفروضة   تقضي على أملهم الضئيل في كسب معركة جندت السلطة كل الأسلحة لكسبها بدءا بالترهيب وصولا للتحكم في لقمة العيش مرورا بالعقوبات الزجرية المبطنة تماما كما حدث للقاضية السيدة آسيا العبيدي التي  تمت نقلتها لمحاكم الكاف لمجرد أنها قضت بإطلاق سراح المتهم العياشي الزمال. أو هذا ما يقال على الأقل في بعض الحلقات السياسية.

ربما قصر جهاز القضاء كثيرا عن حسن أو سوء نية  لكن من الأكيد أن إرجاع مسار القضاء للجادة لا يكون بالطرق التي اعتمدتها السلطة لأنها زادت الطين بلّة بل زادت في تعميق الهوّة بين القاضي و المتقاضى و تلك هي المصيبة الكبرى.

كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.