من البداية نقول أن هذا المقال لا يهدف إطلاقا و بالذات إلى التدخل في القضاء أو مساندة السيدة عبير موسي أو التعرض إلى هيبة الدولة و مؤسساتها بل هي مجرد محاولة جدلية موضوعية لفهم و طرح كثير من الأسئلة التي تدور في الشارع التونسي حول وجود وجوه كثيرة من المعارضة في السجن بتهم تؤدي حتى إلى الإعدام. وهي وضعية غريبة و غير صحية بكل المقاييس.
أحمد الحباسي
لقد قيل الكثير حول التهم الموجهة للسيدة عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر في علاقة فيما بات يعرف بملف “مكتب الضبط” و سال حبر كثير حول حقيقة ما حصل يوم تقدم السيدة عبير موسي كمحامية لمكتب الضبط برئاسة الجمهورية لتقديم تظلم وهو إجراء شكلي مطلوب قانونا قبل التقدم بقضية أمام المحكمة الإدارية.
لن نصدق ما تقوله السيدة عبير موسي و لكن يصعب التصديق أيضا لما تضمنته لائحة الاتهام بكونها قد قامت باعتداء يهدف إلى تغيير الدولة وفقا للفصل 72 من المجلة الجزائية و التي تصل عقوبتها للإعدام لكن و بالمنطق و الذوق السليم و إذا اعتمدنا القاعدة القانونية الواردة بالفصل 9 و ما بعده من مجلة الإجراءات الجزائية في باب إقامة الدعوى العمومية و مباشرة التحقيق فان السؤال المطروح أولا هو هوية الطرف الذي تولى فتح التحقيق وهو أمر مهم خاصة أنه لا أحد قد تساءل مثل هذا السؤال في قضية تتعلق بتهمة خطيرة لا تتناسب إطلاقا و بالمنطق السليم مع المعطيات و الوقائع التي لا يمكن أن تتعدى في أقصى الحالات إلى إحداث بعض التشويش و النقاش الحاد.
في البدء لماذا وقع رفض قبول عريضة التظلم ؟
لا نذيع سرا حين نؤكد أن مكتب الضبط برئاسة الجمهورية هو مجرد مرفق عمومي يؤدى دورا معينا لخدمة المواطن و بهذا المعنى فهو مطالب بتلقي كل المراسلات و الشكايات و المطالب و العرائض الصادرة عن المواطنين بقطع النظر عن صفاتهم و نوعية تشكياتهم.
لعل السؤال هنا يقول لماذا تعمد العون المتواجد بمكتب الضبط رفض قبول عريضة التظلم موضوع النزاع؟ لماذا حصلت المماطلة من طرفه و لماذا لم يقم العون بواجبه الأمر الذي خلق بلبلة جدلية نقاشية زادتها تدخلات بعض أعوان الأمن الرئاسي حدة و ما دخل مثل هذا السلك في هذا الإشكال بين مواطن و عون إدارة و لماذا لم يتم استدعاء فرقة أمنية خارجية لمعالجة الموضوع؟
بطبيعة الحال و مهما بلغ الخلاف بين الطرفين فنحن لا نتصور أن العون قد خرج عن اللياقة و لا السيدة عبير عن الحوار الجدي في مسعى منطقي للوصول الى إمضاء وصل بتقبل العريضة و الانسحاب.
هذا ما يقوله المنطق و يقبله العقل السليم و السؤال هنا هل يرقى الخلاف مهما علا الصوت أو تفرع النقاش إلى توصيف ما حصل بالجريمة مناط الفصل 72 من مجلة الإجراءات الجزائية؟
هل هي محاولة للتخلص من معارضة؟
في الحقيقة لا أحد يتفهم منذ تاريخ توجيه الاتهام و لحد الآن أن ما نسب للسيدة عبير موسي هو اتهام يستدعي عقوبة الإعدام بل هناك شبه إجماع حتى لدى أكثر المنتقدين لهذه السيدة مثل الصحفيين زياد الهانئ و لطفي العماري و مراد الزغيدي و هيثم المكي و غيرهم على أن ما تتعرض اليه هذه السيدة هو مظلمة حقوقية بامتياز و أن هناك وراء كل ما تتعرض له محاولة للتخلص من هذه المعارضة لمسار 25 جويلية برمته و أن توصيف الفصل 72 هو تفصيل من تفاصيل هذه المحاولة التي تضر بمسار الانتقال الديمقراطي و تعيد البلاد إلى حالة عدم الاستقرار التي جاء بها التدافع الشعبي سنة 2011.
إن مجرد إلقاء نظر سريعة على عناصر الجريمة موضوع الفصل المذكور يعطى فكرة على أنه و مهما قيل و يقال و مهما وقع من تجاوز في حقوق السيدة عبير موسي فان ما حدث بمكتب الضبط لا علاقة له لا من قريب و لا من بعيد بعناصر جريمة الفصل موضوع الإحالة و أن الأمر يقصد منه الترهيب و بعث رسالة معينة لهذه السيدة و لكافة المنتسبين إلى حزبها حتى تخرج من حلبة السياسة و تنسى أنها معنية كمواطنة و كفاعلة سياسية بمستقبل البلاد.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك