هل خدع ترامب نتنياهو ليقبل بالمرحلة الثانية من الاتفاق مع حماس؟

أراد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عند استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض أن يحتويه بعد النكسة الكبيرة التي تعرّض لها الأخير على أرض غزة إثر الصمود البطولي والأسطوري للمقاومة الإسلامية على أرض المعركة فأجبرته على التفاوض، وساعد على ذلك ضغطُ عائلات الأسرى الصهاينة عند حركات المقاومة في غزة، والخسائر الكبيرة التي مُني بها جيش الاحتلال الصهيوني، فكان نتنياهو مرتعبا ومنزعجا مما رآه وما سمعه من انتقادات حادّة وُجّهت إليه لا سيما وأنه قد تعرض لمضايقات قضائية داخل إسرائيل.

فوزي بن يونس بن حديد

ونتيجة لجملة هذه الأسباب كانت الانتكاسة العظيمة لنتنياهو بعد أن شاهد مشاهد القوّة والاستعراضات القويّة والمدهشة لحركة حماس التي نالت من هيبة جيش الاحتلال الذي ظن أنه قاتل الحركة في عقر دارها وقتل الكثير من قادتها وجنودها وهدّم أنفاقها وقضى على شوكتها ولكنه تفاجأ منذ بدء المرحلة الأولى من الاتفاق أنه كان يعيش في حُلم ومجرد خيال لم يتحقق واقعًا.

وبعد مشاهد القوّة والتنظيم الرائع الذي بدت عليه حركة حماس استشاط الإسرائيليون غضبًَا وهاجوا وماجوا وارتعبوا وظنّوا أنهم لم يفعلوا شيئا في 15 شهرا سوى التدمير وقتل الأبرياء، وبقيت الحركة قائمة وخالدة رغم استشهاد قادتها، لأن حماس كما تقول كتائبُها فكرة وليست محصورة في شخص واحد أو اثنين، فكلما اُستشهد قائد حضر قادة كثر لتبقى الفكرة حيّة طول الوقت، والقيادة الحيّةُ لا تفشل بموت القادة بل تظل شامخة وصامدة طول الوقت لذلك لم تضعف المقاومة طوال فترة الحرب بل استمرت لأنها استعدت جيدا.

فكرة عبقرية تحمل في طيّاتها غباء مركّبا

وجاء الطرح الترامبي الأخير حول غزة لشحن نتنياهو معنويّا وإجباره بطريقة الفكرة المرعبة على الموافقة على مواصلة الحوار والتفاوض من أجل الحصول على طريقة لإخراج الأسرى عند حماس وهو المهم عند ترامب ونتنياهو في هذه المرحلة، وأستبعد أن يكون ترامب واقعيًّا في طرحه شراء غزة أو استلامها من نتنياهو كما قال في تغريداته، بل كانت فكرته فكرة عبقرية تحمل في طيّاتها غباء مركّبا لأن المسألة ليست بالسهولة كما يعتقد ترامب أو نتنياهو أو سموتريتش أو بن غفير أو أي صهيوني.

فغزة التي صمدت طوال الحرب المدمّرة لا تسلّم نفسها لترامب ولا لنتنياهو ولا لغيرهما حتى لو أبيد شعبها من على أرضها، بل سيظل أصحابها متمسكين متشبّثين بها إلى آخر رمق في حياتهم.

وعلى هذا نستطيع القول إن فكرة ترامب ما هي إلا خدعة أو مزحة لجعل نتنياهو يقبل بالمرحلة الثانية من الاتفاق، ويمضي بعيدا في حلمه المتمثل في البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة، ويبدو أن ترامب قد جعل المتطرّفين في إسرائيل يعيشون أحلامهم بوضعهم خططًا لتهجير الفلسطينيين، حيث سارع وزير الدفاع الصهيوني إلى حث المسؤولين بوزارته على وضع الخطط بناء على مقترح ترامب دون التدقيق في محتواه وهل هو قابل للتحقق على أرض الواقع أم لا.

ورغم أن ترامب قد سمح لنتنياهو بمواصلة الحرب على غزة ومدّه بالأسلحة الفتّاكة للقضاء على ما تبقى من قيادات حماس وتدمير ما تبقى من بنيان، لكننا نعلم جميعا كيف خذل نتنياهو ترامب في ولايته الأولى عندما اغتالت أمريكا قاسم سليماني، وعندما سارع نتنياهو إلى تهنئة جو بايدن بالفوز بالانتخابات الرئاسية في أمريكا سنة 2020م وقال في ذلك الوقت: لقد خذلنا نتنياهو.

سلطة جديدة قادرة على حماية الفلسطينيين

ومن وجهة نظري فإن ترامب لن يمنح نتنياهو أكثر مما يستحق، وسيرد له الصاع صاعين، فربما نسي نتنياهو ما قام به في ذلك الوقت، وحان لترامب أن يخدعه، لكن يبدو أن هذه هي الشفرة التي بنى عليها ترامب قنبلته الأخيرة حول غزة، وسنرى ما إذا وافق نتنياهو على المرحلة الثانية وشروطها كيف سيكون موقف سموتريتش الذي توعّده بإسقاط حكومته إذا وافق على بدء المفاوضات في المرحلة الثانية.

وإذا سقطت حكومة نتنياهو فإن الباب يكون مُشرعًا أمام ترامب للتخلص  من خصمه نتنياهو وفريقه المتطرف، ولتبقى مسألة غزة أمام الأمر الواقع، إما الحرب مع المقاومة وقد رأوا بأسها في المراحل الماضية، وإما التفاوض مرة أخرى على من يحكم غزة، وقد تُبدي حركة حماس مرونة في ذلك إذا تمت صفقة التبادل وخرج الأسرى الكبار من سجون الاحتلال مثل مروان البرغوثي الذي تشير كل الدلائل إلى أنه الأوفر حظا ليكون رئيس السلطة الفلسطينية المقبل بعد فشل محمود عباس في إدارة المرحلة الحالية والاستغناء عن دوره في تمثيل الفلسطينيين ومطالبة الشعب الفلسطيني بسلطة جديدة قادرة على حماية الفلسطينيين.

وقد تقبل حماس ببعض الشروط التي تبعدها عن المسرح السياسي وتبقى حركة مقاومة للدفاع عن أرض فلسطين على أن تحكم غزة سلطةٌ فلسطينية توافق عليها حماس ولا تنخرط فيها وتكون محل ثقة للإدارة الأمريكية والغرب عموما.

لكن حتى يحدث كل هذا، وتسير الأمور نحو السلام المنطقي الذي يحبس أنفاس المتطرفين الصهاينة ويتنفس على إثره الفلسطينيون الصعداء، ويمنحهم العالم الحق في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، لا بد لهذا العالم أجمع أن يعترف بهذا الحق ويقف بجانب الفلسطينيين ويلجم محاولات المتطرفين الصهاينة للاستيلاء على أرض فلسطين، فهل سيتحقق ذلك؟  

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.