يحمل الاقتراح الأخير لدونالد ترامب بشأن التهجير القسري لسكان غزة إلى دول مجاورة مخاوف كبيرة. فتنفيذ مثل هذا الاقتراح لن يشكل فقط انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي، بل سيُعتبر أيضًا جريمة حرب بموجب الاتفاقيات الدولية. هذه السياسة لا تمثل مجرد اعتداء على الحقوق الأساسية للفلسطينيين، بل تُهدد أيضًا الأسس التي يقوم عليها النظام القانوني الدولي.
خميس الغربي
![](https://kapitalis.com/anbaa-tounes/wp-content/uploads/2024/12/Khemais-Gharbi-2-1.jpg)
يحظر القانون الدولي الإنساني بشكل صريح عمليات التهجير القسري للسكان خلال النزاعات المسلحة. حيث تنص المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة بوضوح على ما يلي: “يحظر التهجير القسري، وكذلك ترحيل الأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة […] مهما كانت دوافعه.”
بالإضافة إلى ذلك، تصنّف المادة 147 من الاتفاقية نفسها هذه الممارسات ضمن الجرائم الجسيمة التي تُعتبر جرائم حرب.
منذ عام 1948، تعرض الفلسطينيون لعدة موجات من التهجير، والتي أدانتها العديد من المنظمات الدولية. وإن أي خطة لإعادة توطين سكان غزة بالقوة تُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.
القانون الدولي والجرائم ضد الإنسانية
يعتبر نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن أي “تهجير قسري للسكان”، عندما يتم في سياق اضطهاد أو تطهير عرقي، يُعد جريمة ضد الإنسانية. وإن الطرد الجماعي لسكان غزة إلى دول أخرى دون موافقتهم سيقع ضمن هذا التعريف، مما يجعله خاضعًا للملاحقة أمام المحكمة الجنائية الدولية.
لا يحمي القانون الدولي السكان في أوقات السلم فحسب، بل أيضًا في فترات النزاع. ولذلك، فإن أي سياسة تهدف إلى تغيير التركيبة السكانية لمنطقة محتلة تُعد غير قانونية، لأنها تمحو الروابط الثقافية والتاريخية للسكان الأصليين.
يُشير جون كويغلي، أستاذ القانون الدولي بجامعة أوهايو، إلى أن غالبية سكان غزة هم لاجئون منذ عام 1948 وأن ترحيلهم سيشكل “انتهاكًا إضافيًا لحقهم في العودة وتعديًا خطيرًا على وضعهم القانوني.” كما يؤكد أن أي محاولة لنقلهم بالقوة ستُكرس منطق التمييز والظلم ضد الفلسطينيين.
وفي سياقات مشابهة، أكدت العديد من قرارات الأمم المتحدة على مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وأدانت محاولات الضم والتهجير القسري. كما شدد مجلس الأمن الدولي على ضرورة احترام وحدة الأراضي للشعوب المتأثرة بالنزاعات.
رفض واسع من المجتمع الدولي
لقد قوبل اقتراح الترحيل القسري لسكان غزة برفض واسع من قبل المجتمع الدولي. فقد أعلنت دول مثل الأردن ومصر، اللتين ستتأثران مباشرة، معارضتهما الشديدة لهذه الفكرة، مشيرتين إلى أنها لن تؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وتقويض أي حل سياسي مستدام. كما عارضها الأغلبية الساحقة من الدول في العالم و منها تلك الحليفة التاريخية لإسرائيل و التي لا تهتم كثيرا لعذابات الفليطينيين.
كما أدانت العديد من المنظمات الدولية، مثل “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية”، هذا المشروع، واصفة إياه بأنه غير قانوني وينتهك المبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي.
عندما تنتهك الدول العظمى القانون الدولي
إن هذا الاقتراح لا يقتصر على منطقة الشرق الأوسط وحدها، بل يطرح تساؤلًا جوهريًا: هل تلتزم القوى العظمى فعلًا بالمعايير التي تدّعي الدفاع عنها؟
عندما تنتهك الدول العظمى القانون الدولي، فإنها تقوض المبادئ التي تضمن السلام والعدالة. كما أن إنشاء سابقة من هذا النوع سيفتح الباب أمام مزيد من الانتهاكات، ويهدد استقرار النظام الدولي برمّته.
يجب ألا يُنظر إلى احترام حقوق الفلسطينيين على أنه قضية ثانوية، بل كاختبار لمصداقية المجتمع الدولي. فإذا أرادت القوى العظمى أن تحظى بالاحترام كقادة عالميين، فعليها أن تجسد المبادئ التي تطالب الآخرين باحترامها.
لقد أثبت التاريخ أن الإفلات من العقاب يؤدي دائمًا إلى المزيد من الظلم. لذلك، من الضروري أن تتصرف الدول المسؤولة بحزم لمنع أي محاولة للتطهير العرقي، وضمان حماية الحقوق الأساسية للسكان الأكثر ضعفًا.
مترجم و كاتب.
شارك رأيك