رسالة إلى صاحب السّمو الأمير محمد بن سلمان وليّ العهد السّعودي من مواطن عربي أراد من خلالها أن يعبّر عن شكره الجزيل لموقف المملكة العربية السعودية من قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهجير أهل غزة، واقتراح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن تخصّص المملكة العربية السعودية جزءا من أراضيها لتوطين الفلسطينيين، وكأن الدول العربية أصبحت مسرحا ورقعة شطرنج طرفاها ترامب ونتنياهو، وبيادقها الدول العربية يحركها الطرفان وفق مصالحهما الشخصية وحب السيطرة وجنون العظمة.
فوزي بن يونس بن حديد

سيدي صاحب السّمو، ما كان ليتجرأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على بلدكم العزيز وعلى جميع البلدان العربية واحتقارها والاستهزاء بها والسخرية منها إلا لأنه لم يتلقّ صفعة قويّة من سُموّكم تُبكته وتُخرسه، فهو عندما يتحدّث عن السعودية مخمورا يُطلق نكاته وكلماته النتنة التي تخرج من فيه فتصيب دولتكم، فطالما ابتزّ المملكة مرات ومرات، وطالما كانت المملكة معه سخيّة، ولكن ترامب لم يقدّر العلاقات الوثيقة والقويّة بين أمريكا والسعودية على مرّ التاريخ، بل غلبت عليه شِقْوتُه وجنونه وحب العظمة فتعالى على الجميع وسخر من الجميع أمام ناخبيه ليبين دوره البطولي وأنه ممسك بالعصا الغليظة وقادر على تسليطها على كل معارض لأفكاره بل وحتى المسالم منهم، ونسي أن الحليم إذا غضب لن يسامحه وسيمضي في معاقبته.
الامبريالية في ثوبها الجديد
سيّدي صاحب السُّمو، لطالما صبرتم على هذيان ترامب منذ أن اعتلى كرسي الرئاسة في أمريكا، لا لكونه رئيسًا يفقه السياسة ويتعامل بدبلوماسية بل لكونه رئيسًا لا يفقه إلا جمع المال، ولا يتعامل إلا بالدرهم والدينار، ولا يهمّه إلا ما يكتسبه في خزانته ويكتنزه في خزانة دولته المهترئة التي أصابها الوهن الأخلاقي وخرجت عن القانون الدولي وعليه، وتعالت على كل القيم والمبادئ الإنسانية، وأصبحت مثل حليفتها إسرائيل تتشاركان في الغطرسة وسفك الدماء واحتلال الدول، إنها الامبريالية في ثوبها الجديد، بعد أن كانت طوال العقود الماضية تتغنى في محافلها الدولية بأنها الراعي الأول لحقوق الإنسان في العالم، فأثبتت الحرب على غزة أنها لا تراعي البشر ولا الشجر ولا الحجر ولا الحيوان، بل تمضي في سبيل الطغيان بزعم أنها تتلقّى تعليماتها من عالم التطرف الذي طالما كانت تدعو من خلال إلى محاربته، وتدعو الدول العربية إلى تجنبه.
سيدي صاحب السُّمو، إن دور المملكة العربية السّعودية مهمٌّ وعظيم في تاريخ الأمة العربية والإسلامية، ولها وزنها الثقيل بين الدول في المنطقة، فهي القائد الهمام الذي يمكن أن تنضوي تحت لوائها كل الدول الأخرى بمختلف تشكيلاتها، فهي الدولة الأولى التي تملك قوة كبيرة ومؤثرة، وما زادني إصرارًا على كتابة هذه الكلمات، الموقف النبيل والشهم أمام العالم حينما رفضت المملكة التطبيع مع إسرائيل ورفضت تهجير الفلسطينيين من بلادهم ووطنهم، ودعت بصرامة إلى منح الفلسطينيين حقّهم في الحياة على أرضهم وإقامة دولتهم وعاصمتها القدس الشريف، ونعلم جميعا أن السعودية هي الدولة الوحيدة القادرة في المنطقة العربية والإسلامية على جمع كلمة العرب وتوحيد صفوفهم في جامعة الدول العربية التي تآكلت مع الزمن بفعل الخلافات البينية والصدامات بين الدول العربية، وتغلغل العمالة الأجنبية داخل الجسد العربي فأنهكته من خلال تأجيج الخلافات وزرع بذور الفتنة.
سيدي صاحب السُّمو الملكي، إننا اليوم في مرحلة دقيقة من مراحل التاريخ، سيكتب التاريخ موقفكم الحازم والصارم تجاه أمريكا وإسرائيل، وسيذكر التاريخ أنكم وقفتم في وجه الغطرسة الترامبية بكل شجاعة، وما الملك فيصل إلا دليلٌ واضحٌ وجليٌّ على موقف الشجاع الذي كانت كلماته مثل زأرة الأسد في وجه الأمريكان يومئذ، أوجعهم وأحدث في صفوفهم رجّة وهزّة قوية، وكم نحن اليوم توّاقُون إلى مثل هذه الهزّات التي تحيي في نفوس العرب النخوة والشهامة والشجاعة والقوّة والهيبة، وترجع الحقوق المسلوبة إلى أصحابها، فالصراع اليوم بات دينيًّا من الطراز الأول ولا حديث إلا عن مهاجمة الدول العربية والإسلامية وتفتيتها وتركيعها.
تسجيل وقفة تاريخية مهمّة في حياة الأمّة
سيدي صاحب السُّموّ، نطلب منكم تسجيل وقفة تاريخية مهمّة في حياة الأمّة، من خلال دوركم المهمّ في المنطقة، ومن خلال صولتكم وهيبتكم وقراراتكم التي تمنح الشعوب العربية العزّة والكرامة والأنفة، وتجعلها ملتفّة حول قياداتها، ومستعدّة للدّفاع عن شرفها وعزّتها في وجه الطغيان والجبروت الأمريكي الصّهيوني، ونطلب منكم قرارات عمليّة فورية من جميع الدول العربية والتضامن من أجل إعلاء كلمات واحدة، لا نقبل التهجير، لا نقبل الضم، لا نقبل الحرب على الفلسطينيين، نواجه المحتل
الصهيوني، والطاغوت الأمريكي، ونعمل من أجل إسعاد الشعوب وإحقاق الحق. وعندما تصدر مثل هذه القرارات من القمة العربية والإسلامية سيهتز عرش إسرائيل وعرش أمريكا.
سيدي صاحب السّمو، أشكرك على حسن إصغائك، وقراءة هذه الكلمات رغم اهتزازها، إلا أني في الختام، أودّ أن أقول إن كتاب “بروتوكولات حكماء صهيون” (و إن كان وثيقة مزيفة من طرف المخابرات الروسية زمن الامبراطورية)، يحوي مخططات (و إن بدت خيالية) بدأنا نرى أثرها اليوم، ومنها تقسيم الدول العربية والإسلامية، وإثارة البلبلة والفتنة داخلها لبقائها متوترة، ونهب ثرواتها، وهو ما يحدث اليوم، ومن ذلك تقسيم العراق والسودان والسعودية، لأن العراق مركز الثقافة والقوّة، والسودان مصدرٌ ثريٌّ للغذاء، والسّعودية مركز الدّعوة الإسلامية والرسالة العالمية الخالدة، فاستطاعوا تقسيم العراق والسودان، ويعملون اليوم على تقسيم السعودية، ولذلك قال نتنياهو إن السعودية أرض كبيرة يمكن اقتطاع جزء منها للفلسطينيين، وهو دليل واضح وجلي أن المخطط يسير وفق المرسوم له وفق التصور الصهيوني، فأبطلوه.
شارك رأيك