محمد عبو يكتب شهادة للتاريخ: “غلطوكم أخبار حول سهام بن سدرين”

تحت عنوان “غلطوكم أخبار حول سهام بن سدرين”، رجع الوزير الأسبق محمد عبو اليوم الأحد 16 فيفري 2025 إلى الوراء، أي إلى تسلسل و تسارع الأحداث في 2011 في وقت انخرام المنظومة الأمنية و ارتفاع عدد العمليات الإرهابية و إيجاد حل في إدارة أمن الدولة…

  • حل إدارة أمن الدولة
    في سنة 2011، تم حل إدارة أمن الدولة ببادرة من وزير الداخلية السيد فرحات الراجحي، وبما أن البلاد شهدت انخراما أمنيا، وارتفع عدد العمليات الإرهابية، تراءى للبعض أن يبثوا في وسائل الإعلام أن سبب ذلك هو حل الإدارة المذكورة، وطبعا يميل الناس إلى البحث عن أجوبة بسيطة عن القضايا الكبرى التي تشغلهم.
    الإدارة المذكورة كانت تضم عددا لا يتجاوز المائتي إطار وعون، وأغلب القضايا المتعلقة بالإرهاب في السنوات الأخيرة لنظام بن علي كانت تحال إلى إدارة الشرطة العدلية للبحث العدلي، علما وأن إدارة أمن الدولة هي قانونا وأساسا إدارة عدلية تبحث في جرائم الاعتداء على أمن الدولة، وتمارس دورا استخباراتيا بشكل ثانوي، باعتبار مهمة الاستخبارات موكلة لإدارات أخرى، كما أنها حققت رقما قياسيا في انتهاكات حقوق الإنسان والتدخل في الشأن السياسي بما لا علاقة له بأمن الدولة، وإنما بمصالح من يحكم ومتابعة معارضيه.

كان حلها وقتها على حسب علمي رمزيا أكثر منه داخلا في مشروع بناء هيكلة جديدة، ودون تأثير من أي كان، وربما كان من تبعات الهجوم على مكتب الوزير.٦

تم لاحقا إنشاء إدارة فرعية جديدة لمكافحة الإرهاب تابعة لإدارة الشرطة العدلية، ثم تحولت لإدارة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والماسة بسلامة التراب تابعة للإدارة العامة للمصالح المختصة، وهي من يمكن اعتبارها البديل عن إدارة أمن الدولة من حيث الصلاحيات المتعلقة بأمن الدولة الداخلي والخارجي.
من ناحية أخرى تطورت هيكلة الحرس الوطني وأنشأت فيه إدارات عامة وإدارات جديدة.
نفس الشيء حصل في السجون والإصلاح، حيث تم إنشاء هيئة عامة تضم إدارات عامة. وارتفع عدد أعوان قوات الأمن الداخلي بنسبة كبيرة وتطورت التجهيزات.

قال البعض أن المشكلة ليست في الهيكلة ولا في العدد، وإنما في خبرات أعوان وشبكة علاقاتهم ومعلوماتهم. من هذه الناحية لتعلموا أن عدد من عزل صغير جدا وأن البعض بلغ سن التقاعد وأغلب أعوان الإدارة المعنية تم تعيينهم في إدارات أخرى.
البحث عن تفسير لانخرام أمني حصل بعد الثورة، يحتاج بحثا ودراسات حول الوضع الدولي، وسوء استعمال الحرية، وخاصة عن التسيب وغياب الانضباط في الأمن وضعف السلطة الرئاسية، لا أجوبة بسيطة تريح جمهورا متعطشا للبساطة ولمعلومات يستعملها للمناكفات السياسية.

  • هل كان للسيدة سهام بن سدرين تأثير ما في إحالة إطارات أمنية على التقاعد الوجوبي؟

على حد علمي زارت السيدة سهام بن سدرين مكتب وزير الداخلية ثلاث مرات في عهد السيد فرحات الراجحي. المرة الأولى كنت بصحبتها ومن بين المواضيع المثارة موضوع رموز التعذيب ولم يقع ذكر أي اسم في هذا اللقاء، وفي الثانية والثالثة كان بصحبتها السيد عمر المستيري ولم يقدما أي قائمة حسب علمي.
كانت أسماء رموز التعذيب منشورة للعموم قبل الثورة في موقع المجلس الوطني للحريات التي كانت ترأسه السيدة بن سدرين، وعندما صدرت قرارات الإحالة على التقاعد الوجوبي لم تكن متطابقة مع هذه القائمة.
كيف تم تحديد القائمة؟ لم يكن وزير الداخلية كقاض يعرف الأمنيين، وتم اقتراح القائمة عليه من قبل بعض إطارات وزارته.

حسب رأيي ما كان للبعض أن يبقوا بعد ثورة في مواقعهم، بل فيهم من أفلت من العقاب الجزائي، ومن المؤكد أن بعضهم الآخر قد ظلموا، وهذا باعتراف السيد الراجحي نفسه.

المهم أن كثيرا من الإطارات المعنية حصلوا على أحكام من المحكمة الإدارية يفرض تنفيذها إرجاعهم إلى عملهم.
في صائفة سنة 2020 تم الاتفاق بين وزارة الداخلية والقصبة على إرجاعهم جميعا وعلى تفاصيل تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية، وذلك لم يكن إيمانا بأن إرجاعهم قرار صحيح أو خاطئ، بل لأن السلطة التنفيذية في دولة قانون لا يحق لها بأي حال رفض تنفيذ أحكام القضاء. بعد ذلك لم ينفّذ القرار لتغير الحكومة ولم ينفذ بعد 25 جويلية، مثله مثل الكثير من قرارات المحكمة الإداريّة الصادرة لفائدة قضاة وغيرهم.

لمَ لا يقوم “اليقظون” سابقا بمطالبة السيد قيس سعيد باحترام أحكام القضاء الآن وبالفصل بين السلطات؟ هو درّس مثل هذه القواعد ثلاثين سنة للطلبة، ولمّا حكم اكتشف أنه يكره القانون وتعقيداته وأن الحل هو أن يحكم وحده ودون أن يثقل كاهله بقوانين تقيّده، ولم يجد في مواجهة إنكاره للقانون لا مؤسسات ولا عدد كاف من اليقظين ولا مواطنين من نوع الذين ينفذ صبرهم على غياب سلطة القانون.

جزء كبير مما يعتقده التونسيون منذ الثورة مبني على أخبار زائفة، ومن أوكد الأولويات في تونس الغد، إيجاد حل لهذه المعضلة.

محمد عبّو

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.