حققت رواية “قابلة أوشفيتز” (La sage femme d’Auschwitz) نجاحًا استثنائيًا منذ صدورها قي فرنسا، إذ أصبحت من أكثر الكتب مبيعًا في عام 2024، ولا تزال تتصدر القوائم في بداية عام 2025، مما يعكس عمق تأثيرها على القراء ودورها البارز في نقل التاريخ عبر روايات إنسانية مؤثرة.
جمال قتالة
تنقلنا آنا ستيوارت (Anna Stuart) في روايتها إلى أحد أحلك فصول التاريخ البشري، حيث تكشف لنا بشجاعة فظائع معسكرات الاعتقال النازية من خلال قصة نابضة بالإنسانية.
الشخصية الرئيسية في الرواية، آنا، هي قابلة تم نقلها إلى معسكر أوشفيتز، لتجد نفسها في جحيم لا يوصف. ورغم ما يحيط بها من وحشية، تصبح مهارتها في مساعدة السجينات على الولادة أداة استغلال في يد النازيين. مهمتها المأساوية تتمثل في مساعدة السجينات على إنجاب أطفالهن، ليتم انتزاع الأطفال منهن فور ولادتهم وإرسالهم إلى العائلات الألمانية.
رغم القسوة التي تميز مهمتها، تبرز آنا بشجاعة استثنائية وتعاطف عميق، مدركةً حجم معاناة الأمهات اللواتي يتم سلب أطفالهن منهن. ورغم هذه الظروف اللامعقولة، تسعى إلى منحهن ولو قليلًا من العزاء. لكن ما يميز آنا حقًا هو فعلها السري الذي يبعث الأمل في القلوب وسط هذا الجحيم: توشيم أرقام السجينات على أجساد الأطفال حديثي الولادة. هذا الفعل البسيط، الذي يحمل في طياته رمزًا عميقًا، هو شكل من أشكال المقاومة، ومحاولة يائسة لضمان أن هؤلاء الأطفال سيكون لهم مستقبل، وأنهم سيعودون إلى أمهاتهم بعد الحرب.
من خلال هذا الفعل، تكشف الكاتبة أن الإنسانية قادرة على الصمود حتى في أقسى الظروف. التوشيم، الذي يرمز إلى الهوية المسلوبة والأمل الضائع، يصبح جسرًا هشًا لكنه مليء بالمعنى بين الأجيال التي عانت تحت نير نظام هتلر. هذا الفعل الصغير، المليء بالكرامة، يعكس صورة المقاومة الصامتة والأمل الذي قد يبقى حيًا حتى في أحلك اللحظات.
يقدم الكتاب، الذي ترجمته إلى الفرنسية ماريلين بويوري، رؤية مؤثرة ومختلفة حول الهولوكوست. من خلال تسليط الضوء على شخصية القابلة، تبرز الكاتبة الشجاعة الصامتة لأولئك الذين، رغم كونهم ضحايا النظام النازي، تمكنوا من الحفاظ على شعاع من الأمل وسط المعاناة المفرطة التي كانت تحيط بهم.
بعيدًا عن الفظائع، “قابلة أوشفيتز” هو تكريم للصمود والحب الذي لا يتزعزع. إنها رواية إنسانية عميقة تظل صداها حيًا حتى يومنا هذا. هذا الكتاب هو شهادة حية على قدرة الإنسان على النضال من أجل كرامته، حتى في أسوأ الظروف. إنه كتاب يجب أن يُقرأ لنظل دائمًا نتذكر أن الأمل يمكن أن ينبثق في أكثر الظروف ظلامًا بطرق غير متوقعة.
شارك رأيك