تونس مسارح العالم: 27 مارس 2025:
“يحيا المسرح في الأوضاع العالميّة الراهنة ظرفا صعبا… فلأن الدنيا مسرح كبير، تفاقمت هذه السنوات في أركان المعمورة ألوان التراجيديا الإنسانية، وتعالت أدوار الشر، وتخلى الأبطال في هذا الركح العالمي عن نشر قيم الفضيلة والجمال، وحوّلوا المشهد إلى ساحات تقتيل وتخريب للطبيعة، ونسف لأي مقومات التضامن الإنساني، في صراع محموم رفع شعارا قديما متجددا “البقاء للأقوى”.
كيف للفن الرابع الذي تأسس في مأساته وملهاته على السمو بإنسانية الإنسان، أن يواجه بشاعة هذه “المسرحية الواقعية”، ويعيد تشكيل البحث الإنساني عن الأمن والأمان ونشر فضائل التعايش السلمي، في عالم يتسع للجميع؟
للأسف، تكاثرت أسلحة تدمير الإنسانية وتبعثرت حياة الفرد بين واقعين، واقع ملموس متأزم في أغلبه، وواقع افتراضي يهب الوهم تلو الوهم ويلهيه عن كل أزماته، بل يحوله إلى مجرد “رغبة جامحة” نحو تغيير وضعه المأزوم، لكن دون سعي، لأنه وقع في أسر “الافتراضي”.
منذ نشأته مع الإغريق، ظل المسرح فن “مقاومة” لكل مظاهر القبح والبشاعة والتنافر الإنساني، ورسالة تنشر معاني الحب والجمال والخير.
طغى في كل المدارس المسرحية على اختلاف توجهاتها حضور ثنائية الخير والشر على الركح، فالمسرح سعى في كل التشكلات المشهدية إلى تفكيك طلاسم الصراع بين المتناقضات التي تسكن الذات البشرية، وإلى توجيه الطاقات إلى بناء عالم متجانس متآلف رغم كل أوجه الاختلاف.
لم يحد المسرح التونسي عن هذا التوجه المسرحي الكوني، لكنه تجذر في هويته الخصوصية، وأسس لمسيرة فنية تنبع من المحلية لتتدفق ألوانا فنية تتماهى مع كل القضايا الإنسانية الكونية، وتحفر كل المواضيع بأشكال إبداعيّة ترفع من ملكة التساؤل لدى المتلقي عن كيفية التعايش مع أمواج الصدامات العالمية المتلاطمة.
لم يتخلّ المسرح التونسي عن قضاياه العربية والإفريقية، ولم يتقوقع في شرنقة الخصوصية، بل راوح بين التجذر والانفتاح فأسس بهذه المعادلة فنا رابعا تونسيا خالصا، لكن بمواصفات عالمية.
استطاع المسرح التونسي أن يغوص بإقناع في مكامن الذات الإنسانية، وأن يترجم بمعالجات فنية كل مشاعرها الدفينة التي لم تستطع التصريح بها…، تحدث المسرح التونسي عن الظلم وعن القمع والكبت ونادى بالحرية والحب والانعتاق… ناصر فلسطين وأهل غزة، وندد بجرائم الكيان الصهيوني الغاصب، وما زال يدعم القضية الفلسطينية حتى تأسيس الدولة وعاصمتها القدس الشريف.
قدر المسرح كونيا كان أو تونسيا خالصا في هذا الظرف، أن يقاوم بكل ما أوتي من فن من أجل أن ينجلي الظلم وينبلج نور السلم في هذا العالم وينمحي التناحر في أرض تتسع لكل الناس.
كل عام والـــمسرح فن مقــــاومة من أجل دحر الظلم والبشـاعة و نشــر السّلم والحب و الجمال”.
شارك رأيك