من النيروز والمهرجان إلى الأضحى والفطر

يُلقي العيد بثوبه الجديد على كل مكان يحلّ به، وله تقاليده التي تُسعد الكبار والصغار. وأكثر الناس سعادة بالعيد من يعمل على إسعاد من حوله. يقول المؤرخ التونسي عبد القادر السليني، أن العادات والتقاليد التي يقوم بها التونسيون قد ورثوها عن أجدادهم ورغم التطور إلا أنهم لا يزالون يحافظون عليها.

العقيد محسن بن عيسى

احتفل الإنسان منذ قديم الزمان بالمناسبات التي تؤثر في مجرى حياته. وكان العرب في الجاهلية يحتفلون بعيدين من أعياد الفرس، عيد “النيروز” في الشهر الثالث من شهور السنة الهجرية وسَمّته العرب العاربة باسم “خَوّان” لأن الحرب تشتد فيه فتخونهم وتنقصهم، وعيد “المهرجان” في الشهر العاشر وقد سمته العرب العاربة باسم “وَعِل” أخذاً من قولهم وَعَلَ إلى كذا بمعنى لجأ إليه. لقد كانت العرب العاربة تهرب في هذا الشهر من الغارات وتلتجئ إلى أمكنة يتحصّنون فيها. وكان الاحتفال بكل منهما يستمر ستة أيام.

اعتقد القدماء أن “النيروز” هو اليوم الذي خلق الله فيه النور، أو يوم المناظرة التي جرت بين موسى عليه السلام وسحرة فرعون (يوم الزينة) والمشهور أنه عيد الربيع وهو معروف في الأدب العربي، ومعنى كلمة “نيروز” اليوم الجديد. أما عيد “المهرجان” ويسمى بالفارسية “مهركان” بمعنى عيد الوفاء، أو عيد رد المظالم، وقيل أنه يوافق ذكرى وفاة أحد الأكاسرة الظالمين الفاسدين.

لما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة واستقرّ بها بعد الهجرة كان لأهل المدينة يومان يحتفلون فيهما (النيروز والمهرجان)، ويبدو أنّ هذه الأيام لم تكن معروفة بنفس الصورة في مكة التي كان سوق عكاظ بها يمثل العيد الوحيد وفيه يجتمع الناس. قال عليه الصلاة والسلام : ” قدمت ولكم يومان تلعبون فيهما في الجاهلية وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما يوم النحر ويوم الفطر”.

التكافل والمودّة بين الناس

العيد مفرد الأعياد، وسمي العيد لأنه يعود ويتكرّر في كل سنة وأصله “عَوْدٌ” ووردت كلمة العيد مرة واحدة في القرآن في الآية 114 من سورة المائدة. عيد الفطر هو الفرحة الأولى للصائمين، وعيد الأضحى هو ذكرى أمر الله تعالى لنبيه إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل وفدائه وهي القصة المذكورة في القرآن في أكثر من سورة عليهما السلام. وفضل عيدي الأضحى والفطر، يرجع إلى جمعهما بين بهجة العيد واستقامة الخلق، والتكافل والمودّة بين الناس.

يُلقي العيد بثوبه الجديد على كل مكان يحلّ به، وله تقاليده التي تُسعد الكبار والصغار. وأكثر الناس سعادة بالعيد من يعمل على إسعاد من حوله. يقول المؤرخ التونسي عبد القادر السليني، أن العادات والتقاليد التي يقوم بها التونسيون قد ورثوها عن أجدادهم ورغم التطور إلا أنهم لا يزالون يحافظون عليها.

من التقاليد الشعبية التي نشأت في المجتمع التونسي تسمية عيد الفطر بـ “العيد الصغير” لتمييزه عن “العيد الكبير” وقد أصبح هذان التعبيران جزءًا من اللغة اليومية والتقاليد المحلّية. فمصطلح “العيد الصغير” يشير إلى أن الاحتفالات بهذا العيد أقل رسمية من “العيد الكبير” رغم معانيه الروحية والاجتماعية التي تظلّ هامة للجميع.

يبدو أن بعض مظاهر الاحتفالات قد احتجبت أو تراجعت، ولكن العيد لا زال يأتي ويذهب وننتظر عودته كل عام بمزيد من الأمل في وجه الله الكريم، الذي نسأله -عزّ وجل- أن يعطي كل سائل مسألته، ويجيب لكل داع دعوته، وهو على كل شيء قدير.

ضابط متقاعد من الحري الوطني.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.