ملف الهجرة/ المسدي: وزير سابق يتحمل جزءا من مسؤولية التفاوض في مذكرة جويلية 2023

في تدوينة نشرتها عشية اليوم الأحد على صفحات التواصل الإجتماعي، و أمام الغليان لدى جميع أطياف المجتمع بخصوص اعادة التونسيين المهاجرين غير النظاميين في اوروبا بصفة مهينة و بخصوص التوافد غير المسبوق لأفارقة جنوب الصحراء و استيطانهم خاصة بالعامرة و جبنيانة، أقرت فاطمة المسدي النائب عن جهة صفاقس بأن هناك تقصير في مفاوضات جويلية مع الجانب الأوروبي من الجانب التونسي و الذي يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية السياسية هو الوزير السابق للشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج. و في ما يلي ما قامت بتدوينه النائب فاطمة المسدي:

“مذكرة التفاهم بين تونس والاتحاد الأوروبي: شراكة غير متكافئة في ملف الهجرة
بقلم: النائبة فاطمة المسدي – مجلس نواب الشعب
وقّعت تونس والاتحاد الأوروبي في جويلية 2023 مذكرة تفاهم في مجال الهجرة، طُرحت في الخطاب الرسمي على أنها خطوة استراتيجية نحو شراكة متوازنة. إلا أن مضمون الوثيقة حسب رأيي يكشف انحيازًا واضحًا لصالح الطرف الأوروبي، ويطرح تساؤلات جدية حول مدى قدرة الجانب التونسي على الدفاع عن مصالحه الحيوية في هذا الملف الحساس.
تنص المذكرة بوضوح على أن “الطرفين يتفقان على دعم أكبر لعمليات العودة وإعادة القبول من الاتحاد الأوروبي للتونسيين الموجودين في وضعية غير نظامية”، وتتعهد تونس بـ”العمل على إعادة إدماجهم اجتماعيًا واقتصاديًا، من خلال مشاريع محلية مدرّة للدخل وتوفير فرص عمل.” كما تؤكد الوثيقة التزام الاتحاد الأوروبي بـ”تقديم دعم مالي إضافي لتمكين تونس من تعزيز قدراتها في إدارة حدودها وعمليات الترحيل.”
في المقابل، يُلاحظ أن المذكرة لا تتضمن أي التزام صريح أو ملزم بخصوص المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء والموجودين على التراب التونسي. إذ تكتفي بالإشارة العامة إلى “احترام تونس لموقفها الرافض أن تكون بلد استقرار للمهاجرين في وضعية غير نظامية”، دون أن يقابل ذلك تعهد أوروبي بإعادة توطينهم أو تقديم دعم مباشر لإيوائهم أو ترحيلهم.
ويتحمّل وزير الشؤون الخارجية والهجرة التونسي السابق جزءًا كبيرًا من المسؤولية السياسية في هذا الفشل التفاوضي، إذ عجز عن فرض مقاربة عادلة ومتوازنة تحفظ لتونس مكانتها ومصالحها الاستراتيجية، وسمح بمرور مذكرة تُلزم الجانب التونسي بتنازلات صريحة دون ضمان مكاسب حقيقية مقابلة. هذا الضعف في الموقف التفاوضي يعكس إما قصورًا في قراءة السياق الإقليمي والدولي، أو خضوعًا غير مبرّر للضغوط الأوروبية في ظل أزمات داخلية متراكمة.
كما تنص الوثيقة على أن “الطرفين يتفقان على دعم عودة المهاجرين غير النظاميين المقيمين في تونس إلى بلدانهم الأصلية”، لكن دون توضيح آلية تنفيذ أو مسؤولية واضحة يتحملها الطرف الأوروبي، مما يترك عبء المعالجة العملي والسياسي على عاتق الدولة التونسية وحدها.
إن هذه المذكرة، رغم ما ترفعه من شعارات عن احترام الحقوق الإنسانية والتعاون المتوسطي، تُكرّس منطقًا غير متوازن في العلاقة بين الطرفين، وتدفع بتونس إلى لعب دور “الشرطي الحدودي” لأوروبا، دون ضمانات حقيقية أو مكاسب واضحة على المدى المتوسط أو البعيد. وهو ما يستوجب مراجعة جذرية للنهج التفاوضي الرسمي ومراجعة هذه المذكرة، وتعزيز آليات الدفاع عن السيادة الوطنية في كل اتفاق يُعقد مع الشركاء الدوليين.
وفي هذا الإطار، يبرز الدور الرقابي للنائب في مجلس نواب الشعب كأداة دستورية أساسية لمساءلة الحكومة وممثليها، وعلى رأسهم وزير الشؤون الخارجية، حول فحوى هذه المذكرة وخلفياتها التفاوضية. من واجب النائب أن يُفعّل سلطته في مراقبة العمل الدبلوماسي، والكشف عن أوجه القصور في الدفاع عن المصالح العليا للدولة، والمطالبة بتقييم شفاف لما جرى من تنازلات، ولماذا لم تُطرح شروط واضحة لضمان التوازن في الالتزامات. فالمساءلة ليست خصومة سياسية، بل مسؤولية وطنية لحماية السيادة والتصدّي لأي اختراق لمصالح البلاد باسم “الشراكة”.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.