الخوف أداة لصناعة “الخبزيست” وتدمير الفعل الفكري والثقافي والمدني

“الشيء الوحيد الذي يجب أن نخاف منه هو الخوف نفسه” كما قال الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين روزفلت. فالخوف ليس مجرد إحساس عابر، بل هو بنية متكاملة، تزرع في الوعي الجمعي عبر وسائل مختلفة، بهدف خلق مجتمع من المستقيلين، الذين لا يسعون إلى التغيير، بل يقبلون الواقع كما هو، أو بالأحرى كما يُفرض عليهم.

رياض الشرايطي

لا يقتصر أثر هذا الخوف على الأفراد العاديين الذين ينحصر همهم في تأمين لقمة العيش، بل يمتد إلى النخب الفكرية والثقافية والمدنية، حيث يصبح المثقف مسجونا في رقابته الذاتية، والمبدع محاصرا بشروط السوق أو الرقابة، والناشط المدني خاضعا لمعادلة السلامة، فيتحول الفعل الثقافي والسياسي إلى مجرد أشكال خاوية من المضمون.

إننا أمام منظومة كاملة توظف الخوف كسلاح سياسي، اقتصادي، ثقافي، وديني، بهدف صناعة إنسان لا يرى أبعد من حاجاته المباشرة، إنسان “خبزي” أو “خبزيست” كما نقول في تونس لا يحلم إلا بالاستقرار، حتى لو كان ذلك في ظل القمع والظلم.

يتجذر هذا الخوف منذ الطفولة عبر التربية والموروث الشعبي والديني، مما يجعله جزء من البنية النفسية للأفراد، ويعيد تشكيل علاقتهم بالحياة، بالمجتمع، بالسلطة، وبأنفسهم. يترسخ هذا الخوف عبر أشكال متعددة، لا تقتصر على الأنظمة القمعية بل تتعداها لتشمل الثقافة السائدة التي تنتج أفرادًا يتم إعدادهم منذ نعومة أظفارهم لقبول الواقع كما هو، دون محاولة تغييره.

الخوف صناعة القطيع عبر المجهول والخرافة والدين

    الطفل يولد بلا خوف، لكن التربية والمجتمع يعملان على غرسه في روحه. ومنذ الصغر، يُزرع في ذهنه أن العالم مليء بالتهديدات والمخاطر، ويجب أن يتكيف معها دون أي اعتراض. هذه العملية تبدأ مع أول لحظة يتعرض فيها الطفل للمعلومات التي تُرسخ في ذهنه القوالب الثابتة، سواء كانت اجتماعية، دينية أو ثقافية. يتم تدريبه على أن القيم التي يسير عليها هي الوحيدة الصحيحة، وأن أي تساؤل عنها هو شكل من أشكال الخروج عن المألوف الذي قد يؤدي إلى الفوضى أو حتى الهلاك.

    أ) الخوف من المجهول أو كيف يتحول الجهل إلى أداة ضبط

    قديما قال علي بن أبي طالب “الإنسان عدو ما يجهل.” ففي المجتمعات القمعية، يتم تثبيت هذا الخوف عبر أدوات عدة، بداية من عملية التعليم التي تركز على الطاعة بدلا من البحث عن الحقيقة، إلى تربية الأسرة التي تحاول “حماية” الطفل من المجهول بتعليماته الصارمة. يتجسد هذا الخوف في:

    – تحريم السؤال : يُربى الطفل على أن هناك أمورا “غير قابلة للنقاش”، مثل الدين، السلطة، والموروثات المجتمعية، وأن أي محاولة للتفكير بشكل مغاير تعتبر تمردا. يتم تلقين الطفل أن هناك عالما آمنا يُحتفظ به فقط للأشخاص الذين يقبلون ما هو مفروض عليهم.

    -تصوير المستقبل كتهديد دائم : عندما يتم إخبار الطفل بأن أي خطوة قد تؤدي به إلى “الضياع”، “الفشل”، أو “الخروج عن الطريق الصحيح”، يصبح لديه شعور دائم بالتهديد من المستقبل، مما يجعله يتخلى عن أي طموحات أو رغبات يمكن أن تهدد هذا التوازن.

    -التحذير من التجريب والمغامرة : يقال له إن الحياة آمنة فقط عندما يسير على نفس الطريق الذي مشى عليه آباؤه، وينبغي عليه ألا يتجاوز ذلك. النتيجة تكون شخصا مترددا، مستسلما للواقع.

    يصبح هذا الخوف جزء أساسيا من تفكير الفرد، ويؤدي إلى تشكيل إنسان لا يتجرأ على التغيير أو حتى على التفكير بشكل مختلف عن المألوف. يصبح هذا الإنسان عاجزا عن استشراف المستقبل أو البحث عن حلول جديدة لمشاكل اليوم.

    ب) الخرافة كوسيلة لضبط العقل:

    قديما قال فولتير “الخرافة تملأ الفراغ الذي يتركه الجهل.” فمنذ الصغر، يُقدّم للطفل العالم على أنه مليء بالكائنات الخرافية، حيث تُستعمل الحكايات الشعبية والخرافات من أجل تأصيل الخوف في ذهنه. فبدلا من أن يتعلم كيف يواجه الحقيقة، يُبنى خوفه على تصورات وهمية تزرع في عقله أن ما يراه وما يعايشه ليس سوى جزء صغير من عالم أكبر وأخطر.

    يتم تصوير كل شيء غير مألوف أو غريب على أنه “شيء سيئ”، مما يمنع الطفل من التفكير أو الاستكشاف.

    يتم ترسيخ فكرة أن الخرافات تحمل الحقيقة المطلقة، وأن التمرد عليها يعني الإطاحة بالنظام الاجتماعي الذي يحمي الفرد.

    يُعلّم أن “القدر” هو ما يحكم حياته، وبالتالي لا يحتاج إلى الجهد أو السعي لتحقيق ذاته، بل عليه أن يرضى بما هو مقرر له.

    هذه الخرافات تتغلغل في الوعي الجماعي بشكل كبير، لدرجة أن المجتمع يبدأ بتصديقها كحقائق، وبالتالي يتجنب التغيير أو الثورة ضد القيم السائدة، خوفًا من أن يُعتَبر خارجا عن المألوف.

    ج) الدين والخوف : كيف يتحول الإيمان إلى قيد؟

    يقول كارل ماركس إن “الدين أفيون الشعوب.” ولا يمكننا الحديث عن الخوف في مجتمعاتنا دون التطرق إلى الدور الذي يلعبه الدين في تشكيل هذا الشعور. الدين، في هذه السياقات، يصبح أداة لتبرير القهر والسيطرة. لا يتخذ الدين هنا طابعا روحيا بحتا، بل يصبح وسيلة لقمع الفكر النقدي والتحكم في سلوك الأفراد.

    يتم تصوير الخوف من “العقاب الإلهي” كأداة لتبرير القمع الاجتماعي والسياسي.

    يتم ربط الطاعة للسلطة (سواء كانت دينية أو سياسية) بالطاعة لله، مما يخلق جوا من الاستسلام.

    تُستخدم النصوص الدينية لتبرير القمع، مثل قمع المرأة أو تهميش الطبقات الاجتماعية.

    بهذا الشكل، يتحول الدين إلى أداة لتشكيل الوعي الجماعي، حيث يصبح الخوف من “العذاب الإلهي” هو المحرك الأساسي للمواقف الاجتماعية والسياسية، مما يؤدي إلى عزوف الناس عن مقاومة الظلم والخضوع للأمر الواقع.

    انعكاسات الخوف على المرأة أو الاستعباد المزدوج

      تقول سيمون دي بوفوار إن “الجسد الأنثوي ليس مجرد كيان بيولوجي، بل هو ساحة صراع اجتماعي.” فإذا كان الخوف يُستخدم لإخضاع المجتمع ككل، فإن المرأة تعاني من استعباد مضاعف، حيث يُفرض عليها الخوف كأداة لضبط جسدها، وسلوكها، وأفكارها، ودورها الاجتماعي. على مر العصور، كانت المرأة تتعرض لتوجيهات اجتماعية ودينية تقيدها وتعزلها عن الفعل السياسي والثقافي، حيث كان يُنظر إليها ككائن ناقص لا يحق له أن يتحدث أو يعبر عن رأيه.

      أ) الخوف من الجسد: المرأة كساحة للرقابة:

      منذ طفولتها، تتعرض الفتاة إلى خطاب يخيفها من جسدها، حيث يتم تصويره على أنه مصدر للخطيئة، وسبب للعار، مما يؤدي إلى:
      – الخوف من الاستقلالية: حيث يتم تربيتها على أن خروجها عن سلطة الرجل (الأب، الأخ، الزوج) يعني سقوطها في الضياع.
      – الخوف من الجنس: مما يؤدي إلى قمع الرغبات الطبيعية، وإنتاج كائنات مشوهة نفسيًا.
      – الخوف من التعبير عن الذات: حيث يتم تلقينها أن دورها الأساسي هو الطاعة والخضوع.

      النتيجة أن المرأة تتربى على الخوف من جسدها، ما يجعلها تقع في صراع دائم مع نفسها، عاجزة عن إظهار رغباتها أو حتى التعبير عن نفسها كما هي.

      ب) الخوف من الفضيحة و سلاح الجماعة لقمع المرأة:

      تقول نوال السعداوي إن “المجتمع يفضل امرأة ميتة على امرأة حرة.” حيث يتم استخدام “الخوف من كلام الناس” لضبط سلوك المرأة، حيث يُنظر إلى المرأة التي تعبر عن آرائها أو التي تناضل من أجل حقوقها كعاهرة أو متمردة. يتجسد هذا الخوف في صور عديدة، منها:
      – تهديد المرأة بالفضيحة الاجتماعية إذا خرجت عن المعايير المقررة لها.
      – إجبار المرأة على الخضوع للمعايير الجمالية والتوقعات الاجتماعية المتعلقة بجسدها وسلوكها.
      – الحفاظ على ما يُسمى بالشرف من خلال التضييق على حريتها الشخصية والاجتماعية.

      هذا يخلق في المرأة حالة من الرعب من الخروج عن المألوف، مما يدفعها إلى قبول حياتها في ظل السيطرة الأبوية، حتى لو كانت على حساب حلمها وحرمتها.

      ج) الخوف من التحررو تكريس الاستسلام:

      الأنظمة القمعية والذكورية تعمل على زرع الخوف من التحرر في وعي المرأة، بحيث تصبح مقاومة وضعها أمرًا مرعبًا أكثر من الخضوع له.
      يتم تصوير النسويات كعاهرات أو متمردات على القيم “الأصيلة”.

      يتم ترهيب المرأة من العيش بمفردها أو اتخاذ قرارات مستقلة.

      يتم ترويج أن الحرية ستؤدي بها إلى الضياع والانحراف، مما يدفع الكثيرات إلى الاستسلام للوضع القائم.

      دور الثقافة التقدمية والتربية العقلية في مقاومة غول الخوف

      يقول فريدريك إنجلز إن “الثقافة هي سلاح الشعوب في مقاومة الطغيان.” ففي عالم يعج بالأنظمة القمعية والخرافات، حيث يتم صناعة الخوف كأداة للسيطرة الاجتماعية والسياسية، تبرز الثقافة التقدمية والتربية العقلية كأهم وسائل المقاومة لهذا الواقع القاسي. فبينما يسعى الظلاميون إلى تشكيل وعي فردي وجماعي يعتاش على الخوف، تظل الثقافة التقدمية والتربية العقلية المساحات الوحيدة القادرة على مواجهة هذا الطوفان، من خلال تنوير العقول وتفكيك الخرافات والحدود التي يفرضها الواقع الاجتماعي والديني.

      إن الثقافة التقدمية هي تلك التي تسعى إلى تحطيم القيود التي تكبّل الإنسان، وتفتح أمامه أفقا جديدا من التفكير والحرية. في قلب هذا التوجه تكمن التربية العقلية التي تشجع الأفراد على التحليل النقدي، على رفض الموروثات التي تتنافى مع العقل، وعلى المساهمة في بناء عالم أفضل بعيد عن السيطرة القهرية التي يغذيها الخوف. هذه الثقافة والتربية لا تقتصر على النخب الفكرية فقط، بل تستهدف جميع الفئات الاجتماعية، حيث تتوجه بشكل رئيسي نحو تعليم الإنسان كيف يطور وعيه، ويحقق استقلاله الفكري، ويؤمن بقيم الحرية والعدالة والمساواة.

      الثقافة التقدمية أداة مقاومة الخوف والتسلط

        يقول غرامشي إن “الثقافة ليست مجرد مجموعة من المعارف، بل هي شكل من أشكال الوعي والتغيير.” حيث تعتبر الثقافة التقدمية ضرورة لتحرير الإنسان من عبودية الخوف، لأنها تؤسس لوعي جماعي قادر على نقد الواقع، وتحليل التاريخ، وفهم الحاضر من خلال منظور نقدي.

        الثقافة التقدمية ليست مجرد تجميع للمعرفة، بل هي فعل فكري مستمر يقود إلى التحول الاجتماعي. وعليه، يمكن تحديد دور الثقافة التقدمية في مقاومة الخوف في عدة نقاط رئيسية:

        أ) فتح الأفق أمام الفكر النقدي:

        الثقافة التقدمية تشجع على التفكير النقدي الذي يتجاوز السطحيات، ويعزز قدرة الفرد على مواجهة التحديات العقلية والجسدية التي تفرضها السلطة. من خلال غرس قيم العقلانية والتمرد على البديهيات، يصبح الفرد قادرًا على محاربة الخوف الذي يزرع في نفسه عبر مختلف الوسائل. يُعلم الفرد أن العالم ليس ساكنًا، وأنه قابل للتغيير إذا ما قرر الإنسان التفكير خارج الصندوق. هذا النوع من التفكير النقدي يمكن أن يكسر جدران الخوف التي تُبنى على الجهل والتعصب.

        ب) رفض الخرافات والتعصب:

        إن الخوف الذي يُزرع في النفوس غالبًا ما يعتمد على الخرافات والقصص التي تتغذى على الجهل، مما يجعل الناس يقبلون السلطة كما هي، خوفا من العقاب أو الفضيحة أو العذاب. الثقافة التقدمية ترفض هذه الخرافات وتدعو إلى العقلانية. من خلال تشجيع الأفراد على التفكير المنطقي والعلمي، يمكنهم أن يتجاوزوا القيود النفسية التي يفرضها عليهم مجتمع يعتمد على الأساطير. يصبح الخوف من المجهول ليس بسبب الجهل، بل نتيجة لعقل مفكك قادر على مواجهة الأسئلة الصعبة.

        ج) تحرير الإبداع والفن من الخوف.

        الفن جزء أساسي من الثقافة التقدمية، وهو أداة فعالة لتحرير الأفراد من قبضة الخوف. من خلال تقديم فنون ذات طابع ثوري، تحرري، ونقدي، يساعد الفنانون على الكشف عن جوانب الظلم والفساد في المجتمع، ويعززون الوعي الجمعي الذي يساهم في مقاومة القهر. الثقافة التقدمية تتيح للفنانين أن يبدعوا دون الخوف من الرقابة أو التهميش، لأن الفن في هذه الحالة يصبح صوتا للحرية والتغيير.

        التربية العقلية و بناء الإنسان المقاوم للخوف:

          يقول مالكوم إكس ‘ن “التربية هي السلاح الذي يستخدمه البشر لمحاربة الجهل.” فالتربية العقلية تتجاوز مجرد نقل المعارف إلى الطلاب؛ هي عملية تربية للعقل من أجل التفكير المستقل والمبدع. في هذا السياق، تعتبر التربية العقلية أداة أساسية لمقاومة غول الخوف، لأنها تعمل على تحفيز الأفراد على البحث عن الحقيقة وفحص الواقع بعقلية نقدية، وبالتالي تحد من تأثير الخوف في حياتهم اليومية.

          أ) تشجيع التفكير المستقل والنقدي.

          التربية العقلية هي عملية تهدف إلى تحفيز التفكير النقدي لدى الأفراد. عندما يُشجع الفرد منذ الصغر على السؤال، وعلى البحث عن إجابات دون خوف من العقوبات، فإن ذلك يعزز من قدرته على التفكير بحرية وعدم الاستسلام للضغوط الاجتماعية أو السياسية. في هذا السياق، يصبح الخوف من المجهول أقل تأثيرا، لأن العقل يصبح قادرا على تحليل المخاوف والتعامل معها بشكل أكثر عقلانية.

          ب) تفكيك الأنماط التقليدية:

          من خلال التربية العقلية، يتمكن الأفراد من تفكيك الأنماط التقليدية التي تعزز من الخوف، سواء كانت دينية أو اجتماعية أو ثقافية. يتعلم الأفراد أن العالم ليس ثابتا، وأن التغيير أمر ممكن، وأنه لا يجب الخضوع لأي نوع من الخوف إذا كان ينتهك حقوق الإنسان أو كرامته.

          ج) بناء وعي جماعي ضد الخوف:

          تعمل التربية العقلية على بناء وعي جماعي ضد الخوف من القمع، من السلطة، من الجهل، أو حتى من التفكير في ما هو “مقدس”. من خلال الفهم المشترك للقيم الإنسانية التي تُعلي من شأن الحرية والعدالة والمساواة، يتشكل مجتمع مقاوم للخوف، مجتمع يبني أدواته الثقافية والفكرية الخاصة بعيدا عن السلطة التي تسعى إلى إخماد هذه الأدوات.

          التفاعل بين الثقافة التقدمية والتربية العقلية: نضج المجتمع المقاوم

            عندما تتكامل الثقافة التقدمية مع التربية العقلية، ينتج مجتمع قادر على مقاومة الخوف الذي يعيشه. الثقافة التقدمية تزود الأفراد بالأدوات الفكرية التي تساعدهم على فهم العالم بشكل نقدي، بينما تقدم التربية العقلية الآلية لتفكيك هذه الأنماط الثقافية والتقاليد التي تؤسس للخوف. هذا التفاعل يعزز قدرة الأفراد على تغيير واقعهم، وعلى تحدي السلطة التي تزرع فيهم الخوف عبر التعليم الموجه والرقابة الاجتماعية.

            إن المجتمع الذي يمتلك ثقافة تقدمية وتعليما عقلانيا قادر على أن يواجه التحديات التي يفرضها عليه النظام القمعي، كما يمكنه أن يعيد تعريف نفسه بعيدا عن الخوف ويعزز من قيم الحرية، الديمقراطية، والعدالة. في مثل هذا المجتمع، لن يبقى الخوف سائدا، بل ستتفتح الأذهان نحو فرص جديدة، وتُبنى هوية جديدة خالية من القيود التي تعيق التفكير والإبداع.

            الثقافة التقدمية والتربية العقلية ليسا مجرد مفاهيم نظرية، بل هما ممارسات حية يجب أن تتجسد في الواقع الاجتماعي والسياسي. هما الطريق الأساسي الذي يسلكه المجتمع لمقاومة الخوف الذي يزرع في النفوس من خلال القمع الديني، الاجتماعي، والسياسي. ومن خلال العمل على نشر ثقافة التقدم والتفكير النقدي، يصبح الفرد قادرا على تخطي قيود الخوف، وبالتالي يصبح المجتمع ككل قادرا على النهوض وتغيير الواقع لصالح الحرية، الكرامة، والمساواة.
            إذا كان الخوف قد أُطلق علينا منذ الطفولة عبر كل الأطر التقليدية والدينية، فإن الثقافة التقدمية والتربية العقلية هما البوابة الوحيدة للخلاص.

            يمكننا كسر هذه الحلقة بالوسائل التالية :
            – مراجعة كل مناهج التدريس و تنقيتها من كلّ ما يدفع للخوف كالتحريم و التجريم.
            – بناء ثقافة المقاومة في الفن، عبر دعم الإنتاج المستقل، وتشجيع الفنانين على كسر التابوهات.
            – تحويل العمل المدني إلى حركة شعبية، بدل أن يكون مجرد مشاريع تمويلية، يجب أن يكون نضالًا مرتبطا بالناس.
            -كسر ثقافة الخوف عبر التضامن، فالأفراد قد يخافون، لكن الجماعة تستطيع أن تخلق حماية، إذا كانت قوية ومنظمة.

            و السّؤال الختامي هنا : هل لا يزال هناك أمل؟

            الخوف صنع “خبزيين”، لكنه لم يتمكن من قتل روح المقاومة نهائيا. هناك دائما من يخرج عن القطيع، من يكتب بلا خوف، من يُبدع بلا قيود، ومن يناضل رغم القمع. التحدي اليوم ليس فقط في فضح منظومة الخوف، بل في بناء بديل حقيقي، لا يخاف من مواجهته و أسبابه ، السلطة ، الدين ، السوق، والمجتمع نفسه.

            شاعر و محلل سياسي.

            شارك رأيك

            Your email address will not be published.

            error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.