أصدر المرصد الاجتماعي التونسي تقريره الرقمي الدوري للثلاثية الأولى من سنة 2025 (جانفي-فيفري-مارس ) تحث عنوان “نسق تصاعدي للحراك الاحتجاجي. انتحار بطعم الاحتجاج. وعنف وسط تواصل الإفلات من العقاب”.
عاد الفاعل الاحتجاجي خلال بداية سنة 2025 للتحرك والمطالبة، لينتهي الربع الأول منها بتسجيل 1132 تحركا احتجاجيا. استعادت بها الأشهر الأولى للسنة طفرتها، وتضاعف معها نسق الاحتجاج بنحو ال 238% مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية 2024، اين تم رصد 475 تحركا فقط خلال الثلاثية الأولى واعتبرت السنة الأضعف من حيث الحراكات على امتداد سنوات ما بعد 2011.
وشكلت المطالب المرتبطة بتسوية الوضعيات المهنية لملفات اجتماعية تقليدية عالقة، على غرار عمال وعاملات الحضائر والمعلمين والأساتذة النواب، والحق في تشغيل العاطلين عن العمل من حاملي الشهائد العليا، وتحسين ظروف العمل وصرف المستحقات. محور أساسي للحراك خلال الأشهر الأولى للسنة ومثلت في مجملها نسبة في حدود ال 53%.
وعلى عكس المعهود مثل الخطاب الرسمي الصادر عن رئاسة الجمهورية، والذي دعا خلال في أكثر من مناسبة الى إنهاء العمل بالعقود الهشة او المناولة وتسوية الوضعيات المهنية العالقة وتحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة، محفزا لانطلاق موجة من التحركات والاعتصامات مع بداية السنة، قفزت معها الأرقام وتضاعفت أكثر من مرة ولولا حلول شهر رمضان خلال شهر مارس لما تراجع نسقها او كبح جماحها.
وعرف شهر مارس العدد الأضعف من حيث التحركات منذ بداية السنة أين شهد 217 تحركا بالمقارنة مع شهري فيفري الذي سجل 432 تحركا وشهر جانفي الذي تم خلاله رصد 483 تحركا احتجاجيا.
وتراجع نسق اعتماد الفاعل الاجتماعي للفضاء الرقمي كإطار للمطالبة خلال الربع الأول لسنة 2025، لفائدة الفضاء العام بما في ذلك مقرات العمل والطرقات والأماكن العامة والساحات والمؤسسات القضائية والسجون.
ويواصل المرصد الاجتماعي التونسي متابعة حالة عدم الرضا لدى عموم التونسيين، بسبب ارتفاع الأسعار وتدني المستوى المعيشي وصعوبة مواجهة متطلبات الحياة. فضلا عن احتجاجه عن سوء البنية التحتية وتردي الخدمات الإدارية العمومية وضعف أسطول النقل، وتواصل انقطاع مياه الشرب وتذبذب نسق التزود بها، والذي أصبح معضلة يعاني منها السكان بشكل دائم ويومي في مدن وأرياف كل ولايات الجمهورية دون استثناء.
وتسجل الأشهر الثلاث الأولى للسنة مزيد تراجع في مجال حرية التعبير والصحافة وتضاعف التهديدات والانتهاكات، ويرتفع فيها مستوى التضييق على الصحفيين ومستعملي شبكات التواصل الاجتماعي. ويشهد حدث تنظيم الجلسة الأولى لمحاكمة المتهمين فيما يعرف بقضية التآمر يوم 4 مارس 2025 عودة شرسة لحملات التشويه والسحل الإلكتروني التي استهدفت كل صوت مدافع عن حق المتهمين في محاكمة حضورية وليست عن بعد تتوفر فيها جميع أسس المحاكمة العادلة.
ويتابع فريق العمل تشبث الجانب الرسمي بخطابات التخوين والتقسيم واعتماد سردية ثنائية (الوطنيون وغير الوطنيون والمتامرون على امن الدولة واستقرارها). وفي الوقت نفسه، يسوء أكثر وضع المهاجرين من دول جنوب الصحراء وسط سياق من تنامي العنف والتمييز ضدهم والضبابية في علاقة بمصائرهم بعد ان وجدوا أنفسهم محاصرين وسط حقول الزيتون في معتمديتي العامرة وجبنيانة من ولاية صفاقس… غير قادرين على المغادرة او تحقيق حلم الوصول الى الضفة الشمالية للمتوسط.
في نفس الوقت نلاحظ استمرار حركات المساندة للمقاومة الفلسطينية على امتداد الأشهر الأولى للسنة، تنديدا بتواصل الإبادة الجماعية التي ينفذها الكيان الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية لتتضاعف أنشطة المساندة من قبل التونسيين والتونسيات وتتخذ في كل مرة أشكالا ثقافية واقتصادية ( مقاطعة) اكثر تنوعا وثراء.
وقفات احتجاجية واعتصامات وإضرابات و تعطيل للنشاط وإضرابات جوع وغلق طرقات
وبالأرقام احتل الموظفون والعمال والمعطلون المرتبة الأولى فيما يهم الفاعلون الذين نظموا تحركات خلال الربع الأول للسنة، أين مثلوا الفاعل الأساسي في نحو نصف التحركات المسجلة. يليهم في ذلك النشطاء والحقوقيين والنقابيين والطلبة والمساجين والصحفيين، الذين شكلوا ربع التحركات التي شهدتها الساحات والميادين منذ بداية السنة. كما عرفت نفس الفترة تحركات للسكان والفلاحين والتجار وسواق النقل الفردي والنقل العمومي للحافلات والتلاميذ والأولياء وأعوان الصحة والإطارات الطبية وأحباء الفرق الرياضية واللاعبين.
وتواصل تونس العاصمة بما تعكسه من مركزية للقرار احتلال المرتبة الأولى من حيث الجهات التي تعرف زخما احتجاجيا خلال الربع الأول للسنة، أين عرفت لوحدها 293 تحركا اجتماعيا. يليها ولاية تطاوين ب75 تحركا ثم ولاية قفصة ب 74 تحركا ثم القيروان ب61 تحركا وجندوبة ب54 تحركا ونابل 53 تحركا ومدنين 51 تحركا ثم تأتي كل من ولاية توزر وسيدي بوزيد ب50 تحركا ثم ولاية القصرين ب 48 تحركا احتجاجيا فبنزرت ب 40 تحركا وكل من سوسة ومنوبة ب36 تحركا… وتوزعت رقعة الاحتجاج لتشمل كل ولايات الجمهورية دون استثناء وسجلت زغوان أضعف عدد أين شهدت 12 تحركا على امتداد الثلاثة أشهر الأولى للسنة.
وكانت التحركات المرصودة في أكثر من 88% ميدانية، تم خلالها أساسا اعتماد الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات والإضرابات عن العمل فضلا عن تعطيل النشاط وإضرابات الجوع وغلق الطرقات وحمل الشارة الحمراء وأيام الغضب وغلق مقرات العمل.. في حين جاء البقية في إطار رقمي، على شكل نداءات وعرائض وبيانات تنديد عبر وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. كما لم تخضع التحركات المسجلة خلال الثلاثة أشهر الأولى للسنة، الى نوع من التوزيع الجندري، اين انتظم 984 تحركا منها مشتركا في المقابل أثث الرجال 107 تحركا وجاءت 41 منها نسوية بالأساس.
واتجه الفاعل الاجتماعي في أكثر من 80% من التحركات التي خاضها نحو السلط الرسمية بمختلف تمثلاتها من رئاسة جمهورية ورئاسة حكومة وسلط جهوية ووزارات وبلديات وولاة، أما البقية فكان السلط القضائية وصاحب العمل المعني الأول بها.
14 انتحارا بين الشباب و10 بين الأطفال و8 بين الكهول
وانطلاقا من العينة المدروسة تم خلال الثلاثة أشهر الأولى للسنة رصد 33 بين حالات ومحاولات الانتحار، جزء كبير منها جاء في شكل احتجاجي ممسرح في الفضاء العام او امام مقرات أمنية او داخل فضاءات المحاكم او داخل مؤسسات تعليمية. اختاروا ان تكون أطرا لتبليغ ضيقهم وحجم اليأس الذي يشعرون به، وما جعلهم يرفضون المواصلة ويضعون حد لحياتهم عبر الشنق او الحرق او تناول مواد سامة او أدوية.
وتشمل حالات الانتحار المرصودة من قبل فريق عمل المرصد الاجتماعي التونسي 14 انتحارا في صفوف فئة الشباب و10 حالات لفئة الأطفال و8 حالات لفئة الكهول وحالة انتحار لشيخ. وشكل الذكور 25 حالة من أحداث الانتحار في حين مثل النساء 8 حالات.
والربع الأول للسنة اتسم بدوره بانتشار العنف على نطاق واسع وسط سياق عام يتسم بالإفلات من العقاب في قضايا قتل النساء وانتشار العنف السيبرني وخطاب التمييز والعنصرية والتشويه.. ويوازيه تقليل من حجم آثار ذلك العنف من قبل الجهات الرسمية ووسائل الإعلام والمواطنين على حد السواء.
تزايد العنف الأجرامي و العنف الجندري و الغعتداء على النساء
وسجلت الأشهر الثلاثة الأولى للسنة تراجعا في حجم العنف المشترك في مقابل احتلال الفضاء العام صدارة الأماكن والأطر التي يمارس فيها العنف. والتي شملت الشارع والمؤسسات التعليمية من مدارس ومعاهد وفضاءات ادارية وصحية ومؤسسات انتاج اقتصادي.
ويتجه العنف تدريجيا نحو تشكلات ذات صبغة جندرية، فترتفع أكثر فأكثر نسبة المعتدين من الرجال اين مثلوا نسبة 84% من الحالات المسجلة مقابل توزع عدد ضحايا العنف بشكل متقارب بين الرجال الذي شكلوا 47% من الضحايا و النساء واللاتي مثلن نسبة 40%. ويكون الاعتداء والترهيب هدف أساسي في حالات العنف المسجلة، يأتي بعدها السرقة ثم الاعتداء الجنسي.
وفيما يتعلق بأنواع العنف المسجلة خلال الربع الأول للسنة، فقد اتخذت أساسا الشكل الإجرامي، وشكلت جرائم القتل او التهديد بالقتل الجزء الأكبر من حيث الأحداث المرصودة يليها في ذلك أحداث البراكاج والسرقة. كما تم توثيق أعمال عنف أخرى، على غرار الاعتداء على الموظفين، والاختطاف والاغتصاب والعنف ضد الأطفال والنساء، والعنف الزوجي، والتحرش الجنسي،والتهديد بالقتل، والعنف ضد الرجال.
الاطّلاع على التقرير كاملا على منصّة الفوروم عبر الرّابط الموالي: التقرير الرقمي للمرصد الاجتماعي التونسي الثلاثي الأول 2025 – Al Forum
شارك رأيك