حاوره: صالح سويسي
في هذا الحوار مع سعيد حمدان الطنيجي المدير التنفيذي لمركز أبوظبي للغة العربية، مدير معرض أبوظبي الدولي للكتاب، نستعرض ما يقدمه المركز وأنشطته المختلفة من إضافات للثقافة العربية والعالمية، ونتوقف عند بعض الأرقام التي تُسلّط الضوء على هذا الصرح الفكري والثقافي الذي يُعدُّ رافدا معرفيا وفكريا على مستوى العالم.
بدايةً، لو تقدم لنا فكرة عن أهم مشاريع مركز أبوظبي للغة العربية؟
تترجم مشاريع مركز أبوظبي للغة العربية توجهات دولة الإمارات في تعزيز قيم التسامح والاحترام والسلام بين الشعوب، ويأتي في مقدمتها معرض أبوظبي الدولي للكتاب، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، ومهرجانا العين والظفرة للكتاب، لما توفره من أرضية مشتركة للتفاهم والحوار، وتقريب وجهات النظر بين مختلف الثقافات والمجتمعات إقليمياً ودولياً.
يشرف المركز على جائزة الشيخ زايد للكتاب، التي تحمل اسم المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيّب الله ثراه، تقديراً لمكانته ودوره العظيم في تأسيس وبناء دولة الإمارات وإنسانها، وبناء نهضة حضارية مستدامة على كافة الأصعدة.
تُمنح الجائزة لصنّاع الثقافة والفكر والإبداع والترجمة والنشر، تكريماً لإنجازاتهم الإبداعية في مجالات العلوم الإنسانية التي أسهمت في إثراء الحياة الثقافية والأدبية والاجتماعية، وتحفيزاً لهم على استدامة العطاء.
ويسرني هنا، أن أذكر بعض الفائزين من تونس عبر تاريخ الجائزة وفي عدة فروع منها: الدكتور أحمد الصمعي عن فرع الترجمة، والدكتور حسام الدين شاشية عن فرع المؤلف الشاب، والدكتورة جليلة الطريطر عن فرع الفنون والدراسات النقدية، وميزوني بناني، عن فرع أدب الطفل والناشئة، وغيرهم الكثير من الأسماء التي نعتزّ بها.
منذ انطلاقته سنة 2007، كان لمشروع “كلمة” للترجمة فضل كبير على المكتبة العربية والعالمية، وأشرف على مئات الترجمات لقرّاء العربية، بعد ما يقرب من عقدين من الزمن كيف ساهم المشروع في بناء جسور التواصل بين العالم العربي والعالم حسب رأيكم؟
بالفعل تجاوز مشروع كلمة للترجمة كل التحديات، وحقّق نجاحاً كبيراً وانتشاراً واسعاً. فقد قدّم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، كافة أنواع الدعم لهذا المشروع منذ انطلاقته وحتى اليوم، بحيث يُعتبر أبرز المشاريع المؤثرة في مسيرة الترجمة إلى العربية.
على امتداد حضوره، استقطب نجاح المشروع نخبة من المترجمين الأكفاء بالتعاون مع المؤسسات الأكاديمية في الدولة ومراكز الأبحاث العالمية، وإقامة شراكات مع أهم دور النشر العالمية. ويعكس ذلك التزام كلمة بالأسس التنظيمية العالمية لقطاع الترجمة. كما ساهمت جهود المشروع في ترجمة أكثر من 1300 كتاب مصنّفة في 10 مجالات ثقافية، محققة ثنائية الكم والنوع. وضمّت قائمة المترجمين نحو 800 مترجم، من ضمنهم 20مواطناً إماراتياً من الخريجين الجامعيين، هذا كله شكّل إسهاماً في بناء جسر التواصل بين العالم العربي والعالم كله، والذي انطلق المشروع لتحقيقه وتأكيده.
“إحياء لحركة الترجمة فِي العالِم العربي” شعار قام عليه مشروع “كلمة” وما زال، ألا ترون أنه تجاوز فكرة الإحياء إلى التأسيس لرؤية جديدة في مجال الترجمة خاصة من خلال شراكاتكم مع مئات الناشرين واعتمادكم على أكثر من 800 مترجم؟
هذا ما نسعى من خلاله في المركز، أن يعكس مشروع كلمة للترجمة الجهود الكبيرة المبذولة في هذا السياق، والأفكار التي ارتقت بالمشروع إلى أن يُشكّل رؤية قائمة بذاتها.
وبالطبع ساهمت عدّة عوامل في جعل مشروع كلمة للترجمة، يمثّل رؤية جديدة في مجال الترجمة. بدايةً من حرصه على نيل ثقة الناشرين، واحترامه لحقوق الملكية الفكرية، وإقامة شراكات مع 300 دار نشر عالمية، من ضمنها (أكسفورد، هارفارد، كامبريدج)، مروراً بتوقيع مجموعة اتفاقيات تعاون مع عدد من المراكز والمؤسسات الثقافية العالمية، واستمراره في ترجمة وإصدار الكتب، وتوسيع قاعدة اللغات التي يستهدفها المشروع لتشمل 24 لغة، وصولاً إلى إطلاقه مؤتمر الترجمة الذي ينظمه سنوياً، لمناقشة القضايا المتعلقة بالترجمة وتحدياتها، وصولاً إلى تنظيم ورشات عمل لتدريب المترجمين بإشراف اختصاصيين. فضلاً عن إطلاق مبادرات تهدف جميعها إلى تحليق المشروع في عالم الرؤى وتحقيقها.
ما أهم المقاييس التي تعتمدونها لاختيار الكتب التي تُترجم في مشروع “كلمة”؟
يتبنى المركز مجموعة من المعايير لاختيار الكتب المهمة، والمترجمين الأكفاء، بالاعتماد على محكّمين مشهود بخبراتهم الأكاديمية. ويتم اختيار الكتب من خلال قوائم الإصدارات العالمية، وقوائم الجوائز العالمية، ونشرات دور النشر العالمية، والكتب المعروضة في معارض الكتب العالمية، إلى جانب ترشيحات المترجمين أنفسهم. ونحرص في الاختيار على تنوّع المجالات الثقافية مثل العلوم والأدب واللغات والتاريخ والسير والفنون والرياضة وكتب الأطفال والناشئة. ويأتي ضمن فريق الترجمة، مجموعة من المترجمين التونسيين، من ضمنهم: الدكتور ماهر تريمش، الطيب الوراري، مفيدة مناكري، محمد بن صالح، أبو بكر العيادي، قيصر الجليدي، جلال الغربي.. وغيرهم
في مجال النشر، كيف تقيّمون تجربتكم في النشر الإلكتروني؟ وهل يمكن مقارنتها بالنشر الورقي؟
حقق مركز أبوظبي للغة العربية نجاحات متتالية في النشر الرقمي ، عكستها زيادة إيرادات النسخ الرقمية وارتفاع الإقبال عليها. وهناك عدة مشاريع تمّ فيها التحول الرقمي، وكانت نتائج التجربة ناجحة ومشجعة. فنحن في مركز أبوظبي للغة العربية، نشجع على الاستفادة من مجالات الثورة الرقمية، لاستكشاف دور الذكاء الاصطناعي في بلورة مستقبل اللغة العربية.
وتحدر الإشارة في هذا السياق إلى أن المركز ينظم سنوياً، بالتزامن مع معرض أبوظبي الدولي للكتاب، مؤتمر النشر العربي والصناعات الإبداعية، الذي يهدف إلى التبادل المعرفي، والوقوف على كل ما هو جديد في العصر الرقمي. ويجمع المؤتمر نخبة من أقطاب صناع النشر ومطوري النشر الإلكتروني والأدباء والمهنيين والمهتمين. غير أن اهتمامنا بالنشر الورقي ما زال قائماً ولم ينحسر، وقد أطلقنا مبادرات عديدة تعزّز حضوره وتدعمه باستمرار.
كيف يستفيد المركز من الذكاء الاصطناعي والتطورات التكنولوجية الحديثة في تنفيذ مشاريعه وتعزيز مكانة اللغة العربية وحضورها؟
حرص المركز على إدخال برامج الذكاء الاصطناعي إلى أقسامه وإصداراته، وأطلق عدّة مشاريع للاستفادة من برامجه في دعم جهود المركز لتعزيز اللغة العربية ونشر ثقافة القراءة، وهي:
مشروع الكتب الصوتية بتقنية الذكاء الاصطناعي، وهو أول تجربة للمركز في استخدام الذكاء الاصطناعي لإنتاج مجموعة من إصداراته. وقد اختير في المرحلة الأولى عدد من عناوين سلسلة “ذخائر إماراتية”، التي تضم أبرز المؤلفات التي صدرت في الخمسين عاماً الماضية لرصد التحوّلات الكبرى التي شهدتها الدولة في التعليم والثقافة والعمران والصحة والاقتصاد وغيرها.
مشروع معجم دليل المعاني الرقمي، ويهدف إلى دعم المحتوى العربي الرقمي. وهو معجم عربي-عربي-إنجليزي رقمي للغة العربية المعاصرة، يحتوي عناصر الصوت والصورة.
وهناك أيضاً مشروع مختبر الذكاء الشعري، وهو مختبر يشارك فيه علماء البيانات والمتخصصون في الشعر لتطوير برمجيات تعالج الشعر العربي بأدوات الحوسبة، ويمكن من خلاله تعلّم البحور وعروض الشعر.
دعماً لحضور اللغة العربية، تُصدرون “مجلة المركز” مجلة الدراسات العربية بالتعاون مع دار “بريل” العالمية للنشر، ماذا عن المجلة؟ ولماذا اخترتم دار نشر غير عربية لإصدارها؟
المجلّة أكاديمية مُحكّمة، تُعنى بالدراسات العربيّة لغةً وأدباً وثقافة، وتتناول مواضيعها قضايا مختلفة تاريخيّة ونقديّة ومراجعاتٍ للكتب. أُطلقت بدعم من مركز أبوظبي للغة العربية، وبالتعاون مع دار “بريل” العالمية للنشر، التي تُعد من أعرق دور النشر الأكاديمية في العالم.
اخترنا “بريل” تحديداً نظراً للانتشار الدولي؛ إذ تتيح الدار وصول المجلة إلى أوسع شريحة من الأكاديميين والباحثين في الجامعات ومراكز البحث العالمية، ما يسهم في إبراز اللغة العربية بوصفها لغة ثقافة وعلم وإبداع. وتحظى “بريل” بالاعتراف الأكاديمي أيضاً؛ إذ تتمتع بتصنيفات علمية مرموقة، مما يساعد على إدراج المجلة ضمن قواعد البيانات الأكاديمية العالمية، مثل “سكوبوس” (Scopus)، وهذا بدوره يعزز من مكانة الأبحاث العربية في الأوساط العلمية. ورغم كونها دار نشر غير عربية، فإنه جرى الاتفاق على أن تصدر المجلة باللغة العربية حصراً، ما يُعد خطوة غير مسبوقة في عالم النشر الأكاديمي الدولي.
المجلة مشروع ثقافي نهضوي، يحمل طموحاً كبيراً في نقل الدراسات العربية من المحلية إلى العالمية، ودار “بريل” هي جسر مهم لتحقيق هذا الطموح، بهدف تعزيز حضور لغة الضاد وانتشارها عالمياً.
يُعدُّ معرض أبوظبي الدولي للكتاب واحداً من أهم معارض الكتب على مستوى العالم، وسبق أن زرته أكثر من مرة ووقفت عند ما يتميّز به من جودة في التنظيم والبرمجة، ما الجديد في دورته المقبلة التي تنطلق في السادس والعشرين من أبريل؟
يُشكّل معرض أبوظبي الدولي للكتاب منصة عالمية تجذب الناشرين والمبدعين من مختلف أنحاء العالم. ويخصّص له سنوياً مجموعة من البرامج والفعاليات التي تستهدف جميع فئات المجتمع، ويتميّز البرنامج الثقافي هذا العام بمحاور جديدة مستحدثة، وبرامج متخصصة في عدة مجالات ثقافية، تخاطب مختلف الفئات العمرية، وتترجم تطلعات عشاق الكتاب.
يقام المعرض في دورته الـ 34 ما بين 26 أفريل و5 ماي2025، تحت الرعاية الكريمة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله تحت شعار مجتمع المعرفة … معرفة المجتمع.
ويستضيف مجموعة من المتحدثين من الكتاب والمبدعين، من ضمنهم: الدكتور ديباك شوبرا المختص في الطب البديل، وكون إيغلدون، الكاتب البريطاني الشهير برواياته التاريخية، والدكتور ناظم زهاوي، السياسي البريطاني الذي تقلّد العديد من المناصب الوزارية، ونجم هوليوود مينا مسعود، وصاحب شخصية علاء الدين، في فيلم ديزني.
وتجدر الإشارة إلى أن دورة المعرض في العام الجاري، التي تنطلق بعد أيام قليلة، تحتفي بثقافة دول الكاريبي بوصفها ضيف الشرف، وبالفيلسوف والطبيب ابن سينا بوصفه شخصية العام، وكتاب “ألف ليلة وليلة” بوصفه كتاب العالم.
ستكشف هذه الدورة عن مفاجآت وفعاليات كثيرة في مختلف مجالات الثقافة والمعرفة، وأمسيات شعرية وبرامج تعليمية للطلاب، ما يعزز من مكانة المعرض إقليمياً وعالمياً لدى أقطاب صنّاع النشر، والمحتوى، والمفكرين، والأدباء، والمثقفين، والإعلاميين، والزائرين على حد سواء. وسيشهد المعرض، إلى جانب الفعاليات التي يترقبها الجمهور من محاضرات وندوات وورشات عمل وجلسات قرائية وحفلات توقيع الكتب ومحاورة المبدعين في شتى المجالات، إطلاق مبادرات جديدة تواكب اهتمامات كافة شرائح المجتمع، وتنسجم مع إعلان عام 2025 “عام المجتمع” في دولة الإمارات.
ماذا عن حجم مشاركة تونس في معرض أبوظبي الدولي للكتاب، وفي برنامج المنح البحثية؟
جرت العادة أن تشارك تونس في المعرض بنحو 10 إلى 15 دار نشر في أجنحة مجمّعة كل دورة. وفي إطار برنامج المنح البحثية، تمثل تونس إضافة نوعية نظراً لغنى المشهد البحثي والجامعي التونسي في مجالات اللسانيات والتربية. فلدى تونس تجربة رائدة في الجمع بين المدرسة التقليدية والاتجاهات اللسانية المعاصرة. وعادةً ما يجمع الباحث التونسي بين التكوين العربي الأصيل والانفتاح على المدارس الغربية.
شارك عشرات الباحثين التونسيين في برنامج المنح البحثية منذ انطلاقه، سواء من جامعات تونسية أو من باحثين مقيمين بالخارج، وقدّموا مقترحات متميزة خاصة في مجالات الأدب والنقد والمناهج الدراسية.
كما شارك أيضاً 3 باحثين تونسيين في إعداد تقرير “مناهج اللغة العربية في العالم العربي”، الذي نُشر في العام 2023 وتناول بالبحث والتحليل مناهج اللغة العربية في خمس دول عربية من ضمنها تونـس، وبيّن خصائصها وسلّط الضوء على أبـرز التحديات التي تواجهها.
ويعمل حالياً 3 باحثين تونسيين ضمن باحثين عرب آخرين على إعداد تقرير “مناهج تدريس الأدب في العالم العربي” الذي يغطي خمس دول هي دولة الإمارات، والسعودية، والأردن، ومصر، وتونس.
شارك رأيك