لعل السؤال الأبرز الطاغي المطروح اليوم من الكثير من المتابعين لما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة و بعد أن صدر الحكم ضد المتهمين بالسجن لمدد متفاوتة من 4 سنوات إلى 66 سنة سجن هل أن هذا الحكم يمكن اعتباره عنوانا للحقيقة أم أنه حكم تداخلت فيه عدة عوامل متضاربة بين ضرورات المرحلة التي تقتضي تسليط عقوبات صارمة تشفى غليل بعض الأطراف و بين الانحياز إلى طبيعة الجو العام الخانق الذي فرضته بعض وسائل الإعلام المنحازة لجهة معينة لا تخفى على أحد مثل قناة التاسعة.
أحمد الحباسي

سؤال آخر مهم يتعلق بطبيعة المحاكمة نفسها و يتلخص في الأسباب التي دفعت المحكمة إلى إصدار أحكام بمثل هذه الحدة دون توفير أبسط مقومات المحاكمة العادلة المطلوبة و المكفولة دستوريا لكافة المتهمين و لعل ما حصل من خلاف صريح و عنيف لفظيا بين المحامين و هيئة المحكمة التي تعاملت مع مجريات القضية بكثير من التعسف و ضيق الصدر و مخالفة لوائح القانون دليل صريح على أن هناك ما يقال حول أسباب هذا التسرع المبالغ فيه و الحال أن المحكمة قد كانت عالمة سلفا أنها ستصدر أحكاما قاسية سالبة لحرية المتهمين لمدة سنوات.
هل كان الحكم عنوانا للحقيقة؟ بطبيعة الحال لا أحد سوى هيئة المحكمة قادر على الإجابة بموضوعية على هذا السؤال البسيط أولا لأن هيئة الدفاع قد أخطأت حين اختارت أسلوب تسخيف محتويات الملف و الحال أن الملف برمته لم يصل إلى مرحلة البت فيه بالجلسة إلا بعد مروره بالتحقيق و بدائرة الاتهام و بالتعقيب و لا شك أن عدم إلغاء قرار ختم البحث لدى التحقيق و الإفراج حتى على بعض المتهمين قد كان مؤشرا و علامة سيئة كان بالإمكان أن تنبه المحامين حتى يبحثوا عن صيغة مبتكرة أخرى للدفاع عن موكليهم سواء أمام هيئة المحكمة أو على مستوى الخطاب الإعلامي,
ثانيا، لأن مواقف أغلب المتهمين على المستوى السياسي منذ ما يسمى بالثورة قد جلبت لهم بعض النفور و قلة التعاطف بحيث برز الانقسام جليا بين مناصر لمبدأ مستقر إسمه الحق في المحاكمة العادلة و بين قائل بأنه حان وقت محاسبة المتهمين على بعض المواقف السياسية الملتبسة و بعض المواقف المنحرفة فى علاقة بتودد أغلبهم لحركة النهضة التي تعاني من نفور شعبي غير مسبوق.
من المؤكد بالنسبة لغالبية المتابعين أن الصورة قد بقيت ضبابية و مشوشة و لأول مرة منذ الثورة على الأقل تحدث محاكمة بهذا الحجم سواء من حيث عدد المتهمين أو التهم الموجهة إليهم أو الأحكام الصادرة و الحال أنه لا أحد يجزم بأن الحكم قد كان عنوانا للحقيقة ذلك أن محاولة المحامين الإيحاء بفراغ الملف لم تنجح إطلاقا حتى على مستوى الرأي العام و هنا لا يجب إغفال أن هناك حقيقة تقول أن الالتجاء للإعلام يتطلب مهارات خطابية و اطلاعا مسبقا و كافيا على أدوات الخطاب الإعلامي بحيث يمكن القول أن هذه الشطارة لا تتوفر فى كثير من المحامين الذين فاجؤوا الرأي العام بمفردات مستهلكة و بقوالب محنطة لم تكن فاعلة لجلب اهتمام المتابعين و كسب تعاطفهم بدليل توافد نفس الأشخاص تقريبا عند موعد كل جلسة أمام قصر العدالة.
لقد كان لافتا هذه المرة أنه و رغم حجم التهم و ادعاء المحامين بخلو الملف من الأدلة و البراهين أن لا نشهد بعض التسريباب المعتادة لأجزاء بعينها من محاضر البحث و هو ما حصل مثلا في عدة ملفات تخص قضية اغتيال الشهيدين شكري بلعيد و محمد البراهمي وهو أمر فسره الكثيرون أنه دليل فاضح على ما توفر بالملف من أدلة أقنعت القضاء في نهاية الأمر بإصدار أحكام بالإدانة.
هل ستقوم النيابة باستئناف الحكم؟ هذا هو المنتظر و هذا ما تقوله بعض المؤشرات التي تتحدث عن غضب جهة معينة تعتبر أن الأحكام لم ترتق للمستوى المنتظر لكن من المؤكد أن استئناف النيابة و بقدر ما هو كفيل بإعطاء المتهمين فرصة أخرى لتفادي الأحكام الصادرة فإنه يعدّ عنوانا ليس لتطبيق القانون فحسب بل هو عنوان للشدة فيه وهي علامات باتت تشد انتباه الملاحظين في الداخل و الخارج الذين يرون عن حسن أو سوء نية أن هناك خروقات كثيرة لحق المتهمين فى المحاكمة العادلة رغم أن السلطة لم تعد تعطي آذانا صاغية لمثل هذه التصريحات بل تعتبرها تدخلا فى شؤونها الخاصة.
ماذا سيحدث فى الأيام القليلة القادمة على اعتبار ضيق آجال الاستئناف بالنسبة للمتهمين و هل سيحدث تغيير عميق أو شامل لطاقم المحامين و تعويضهم بآخرين معروفين بسعة تقديرهم و إدراكهم لمتطلبات مثل هذه المحاكمات أم سيبقي نفس المحامين يرددون نفس أساليب الحوار و التكتيك؟
هل سيتم الاكتفاء بقرصة وذن للمتهمين ليكون الطور الاستئنافي فرصة للجميع لمراجعة أنفسهم و هل ستختار السلطة فى نهاية الامر طريق الاعتدال بدل التشدد ؟
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك