ميّة الكسوري تعيد كتابة ذاكرة الهامش في روايتها “بلاص اليهودي”

في روايتها الجديدة “بلاص اليهودي”، التي صدرت حديثًا عن منشورات ميسكلياني، تبحر الكاتبة والصحافية التونسية ميّة الكسوري في أعماق المجتمع التونسي، مستكشفةً ذاكرة المنسيّات وحيوات شخصيات مهمّشة، كانت في الغالب غائبة عن السرد الرسميّ.

جمال قتالة

تدور أحداث الرواية في فضاء “بلاص اليهودي”، ذلك الحي التاريخي الذي كان يمثل ملتقى لعدة ثقافات وأديان، ولكن يتم اليوم تهميشه في السرديات الكبرى للتاريخ التونسي.

من خلال الرواية، تتقاطع حكايات مجموعة من الشخصيات النسائية المنتمية إلى طبقات وأديان وجنسيات مختلفة، يعشن في واقع معقد يمزج بين الصراع مع الماضي المُثقل بالجراح، والتحديات اليومية في الحاضر المليء بالتحديات. النسوة في بلاص اليهودي تتشاركن مصائر قاسية، لكنهن يقاومن بصمت وقوة، لتظلّ حياتهن حاضرة رغم محاولات النسيان.

لغة الرواية، التي تجمع بين الحدة والعذوبة، تنبض بالحياة وتستثير الأسئلة حول الهويّة والذاكرة والانتماء، كما تتناول الحياة الخفيّة للنساء المهمّشات اللواتي يواجهن تحديات عديدة. تسلّط الرواية الضوء على تلك الحكايات الصغيرة التي تُغيّبها غالبًا السرديات الرسمية، لتُبرز حقيقة أن الأمكنة لا تروي قصصها إلا عبر من يعبرونها، وأن التاريخ لا يحفظ إلا أصوات من يُصرّون على الحياة رغم كل شيء.

“بلاص اليهودي” ليست مجرد رواية عن مكان محدد، بل هي رحلة استكشافية لذاكرة تونسية منسية، تكشف عن التداخل بين الهويات والانتماءات الاجتماعية والدينية. وفي هذا العمل الأدبي، تؤكد ميّة الكسوري على أن الكتابة عن الهوية والانتماء ليست مجرد محاكاة للواقع، بل هي إعادة اكتشاف للأصوات المهمّشة التي تُعيد تشكيل التاريخ بطريقة إنسانية ومؤثرة.

من خلال هذا الكتاب، تثبت ميّة الكسوري مرة أخرى قدرتها على إعادة كتابة التاريخ من أسفل، من الذاكرة الشعبية التي لا تُسمع إلا إذا تمت إعادة اكتشافها من جديد.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.