يجمع الكثيرون بأنه بصدور الأحكام الجنائية الأخيرة ضد أغلب قيادات حركة النهضة في ما يعرف إعلاميا بملف “تسفير التونسيين إلى سوريا” و ما سيتبعها من أحكام في عديد الملفات الخطيرة الأخرى فقد بات من الواضح أن راشد الغنوشي مرشد الحركة القابع في السجن تحت طائلة عقوبات سجنية لمدة سنوات عديدة قادمة قد قاد حركته إلى طريق مسدود طالما حذره الجميع منه غير أنه جابه تلك التحذيرات بكثير من الزهو و الغرور معتبرا على لسان وزير العدل السابق نورالدين البحيري رفيقه الحالي في السجن بأن الحركة ستجابه كل محاولات حلها.
أحمد الحباسي

هناك شبه إجماع اليوم بأن حركة النهضة لم يعد لها مكان في تونس و أنها قد وصلت إلى طريق النهاية خاصة و قد تعالت الأصوات من كل الجهات مطالبة بالتخلص من هذا الورم الخبيث واستئصاله استنادا إلى أحكام الفصلين 3 و 35 من الدستور و الفصلين عدد 3 و 4 من القانون عدد 87 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية و يرى هؤلاء أن استمرار نشاط الحزب بعد ثبوت تورط قيادته في ممارسة الإرهاب وتسفير التونسيين إلى بؤر التوتر و إحداث جهاز سري و القيام بعمليات اغتيالات سياسية لم يعد مقبولا و فيه مساس بأمن الدولة.
يحتل النقاش حول مصير حركة النهضة حيزا كبيرا رغم أهمية بقية القضايا المتعلقة بارتفاع نسبة البطالة و غلاء المعيشة و تصاعد الجريمة و يرى العديد أن حلّ الحركة بمعية كل الأحزاب ذات المرجعية الدينية التي لا تعترف بالدولة و بالنظام الجمهوري مثل حزب التحرير قد بات مطلبا شعبيا ملحّا يتعيّن على السلطة الإسراع بتنفيذه حتى يستعيد الشارع طمأنينته بعد سنوات سالت فيها دماء الشهداء و تعددت التفجيرات و بات الوضع الأمني هشّا إلى أبعد الحدود خاصة بعد أن ثبت تورط عدة أجهزة و جهات أجنبية متآمرة سواء على مستوى تمويل الإرهاب أو المساعدة في تسفير الإرهابيين أو تسخير أبواق دعاية تضليلية للتعتيم على حقيقة ما يحدث من تلاعب بالأمن القومي.
حالة موت سريري
لا شك أن قيادات حركة النهضة التي طالما سخرت من الأصوات المنادية بمحاكمتها بتهمة الإرهاب معتبرة أن الملفات المطروحة على القضاء “فارغة” معتمدة بطبيعة الحال على جهود التعتيم و التضليل التي مارسها وكيل الجمهورية المعزول بشير العكرمي قد باتت تلعن تلك المواقف الساخرة التي جعلتها لا تتفطن أن دماء الشهداء ستدفن كل أحلام الحركة في إقامة دولة الخلافة المزعومة.
ربما كانت هناك أصوات لا تحبذ حلّ حركة النهضة بمقولة و أن ذلك سيساهم في إعادة مناخ التوتر الاجتماعي بعد أن استعاد الوضع الأمني بعضا من الاستقرار لكن الثابت اليوم أن الحركة قد فقدت الدعم القطري التركي الإخواني بما يشكله من قوة دعم مالي رهيب و مساندة إعلامية توفرها قناة الجزيرة و أن فتح ملفات قيادة الحركة و الحكم عليهم بعقوبات سجن تقضي على كل أمل لهم فى الخروج أو العودة للحياة السياسية قريبا كما أنه من الواضح أن الحركة قد فقدت قاعدتها و حاضنتها الشعبية القديمة و بات القليل من أنصارها محل متابعة أمنية دقيقة.
بطبيعة الحال هناك معطى مهم يتعلق بالمال ذلك أنه لم يعد سرا أن الحركة تحرك الشارع بضخ الأموال بغزارة و أن من كانوا يتمعشون من ذلك قد انسلخوا و باتوا يبحثون عن مصادر رزق أخرى و لذلك لاحظ المتابعون أن إحالة قيادة الحركة على القضاء لم تتبعها أية احتجاجات أو مساندة مما يؤكد أن الحركة تعيش اليوم حالة موت سريري لا أمل في التعافي بعدها.
نهاية الإسلام السياسي
لقد توفرت كافة الأسباب الموضوعية و القانونية المطلوبة للتفكير جديا بالإسراع بحل حركة النهضة و كل حركة لها علاقة بالإسلام السياسي و لعله لم يعد مقبولا بأي شكل من الأشكال أن يتم حلّ التجمع الدستوري سنة 2011 و هو الحزب الذي لم يمارس الإرهاب و لا تسفير التونسيين لممارسته في سوريا و لا الاغتيالات السياسية و لا تكوين جهاز سري و لا أمن موازي ولا ربط علاقة مع جهات أجنبية متآمرة تمس بأمن الدولة و يتم تجاهل المطالب الشعبية الملحة المطالبة علنا باستئصال هذه الأورام الخبيثة و من بينها طبعا ما يسمى بوكر يوسف القرضاوي الذي يرى فيه الكثيرون وكرا للتجسس و القيام بأدوار مشبوهة.
لقد قيل على لسان الرئيس قيس سعيد أن الخونة لا مكان لهم في تونس كما قيل أيضا أنه رغم الدعوات الشعبية لمحاسب حركة النهضة و حلها فانه لن يتجاوز القانون و سيعمل على إثبات تورط قيادة الحركة قانونيا و السؤال الحارق اليوم بعد صدور الأحكام في قضية التسفير : هل سيمر الرئيس إلى مطالبة الحكومة باتخاذ التدابير القانونية لحّل الحركة التى طالما تطاولت على الدولة و على الأمن القومي؟
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك