كتبت بمرارة رسالة عن التتبعات القضائية ضد شقيقها مهدي بن غربية، كمال الجندوبي يتفاعل…

الناشط السياسي كمال الجندوبي، أول رئيس لهيئة الانتخابات بعد الثورة، يكتب ما يلي عبر صفحات التواصل الاجتماعي ردا على الرسالة التي قامت بتدوينها على صفحات التواصل الاجتماعي شقيقة مهدي بن غربية الوزير الأسبق الذي يقبع في السجن منذ أكثر من 3 سنوات بسبب تتبعات جبائية:

“رسالتك مؤثرة للغاية. لقد اخترقت الشاشات، واخترقت الصمت والرقابة. لأنها كُتبت بدموع أخت، وبكرامة ابنة من هذا الشعب، ما كتبته أمس ليس مجرد صرخة ألم، بل هو فعل مقاومة.
ما يتعرض له مهدي بن غربية منذ أكثر من ثلاث سنوات ليس مجرد ظلم، بل هو خيانة دولة. هو النموذج الصارخ لانحراف حوّل القضاء إلى ذراع ضاربة لسلطة سياسية بلا بوصلة، بلا حدود، بلا حياء. فمنذ أكتوبر 2021، حُرم مهدي من حريته بناءً على اتهامات ما فتئت تتساقط الواحدة تلو الأخرى. وعند غياب الأدلة، يُمدّد سجنه. وعند غياب القانون، يُفرض التعسف. وعند غياب الدولة، يُقام الانتقام.
لكن خلف الأرقام، وخلف المواد القانونية المنتهكة، وخلف الإضرابات عن الطعام، والقرارات الجائرة، هناك إنسان. هناك أب. هناك وزير سابق. هناك مواطن. هناك وجه يسعى هذا النظام لمحو ملامحه. بسجنه. بإذلاله. بحرمانه من ابنه. بتقديمه كـ”فاسد”، “خائن”، “عدو للشعب”. كل ذلك دون محاكمة عادلة، ودون حق فعلي في الدفاع، ودون قرينة براءة.
وحين ظننا أننا بلغنا قاع الانتهاك، ها هو النظام، في هروب قبيح إلى الأمام، يحاول إلصاق تهمة جديدة به: قضية مقتل رحمة ، الشابة التي قُتلت سنة 2020، والتي اعترف القاتل بجريمته.
نعم، النظام يجرؤ اليوم على إعادة فتح هذا الملف المغلق، دون أي معطى جديد، ليحوّله إلى “قضية ظرفية”، تُستعمل لتبرير إبقاء مهدي في السجن. بلا دليل، بلا صلة، بلا منطق قضائي. في انتهاك سافر لكل القواعد، والمعايير، والمبادئ.
الهدف واضح: اختلاق وحش جديد. تغذية الشبهة. تمديد الحبس. منع الإفراج الوشيك عن رجل أصبح، رغمًا عنه، رمزًا حيًا للانحراف السلطوي.
السيناريو ركيك، لكنه خطير. لأنه لا يستهدف مهدي وحده. بل يهدف. يهدف إلى إرسال رسالة تقول: “لا يهم إن كنت وزيرًا، أو نائبًا، أو مدافعًا عن الحقوق، أو أبًا… إن لم تنحنِ، سندمّرك. وإن لزم الأمر، سنخترع التهم”.
منى، سؤالك الموجّه إلى القضاة هو سؤال للوطن كله: كيف ينام المرء وهو يعلم أنه يسحق بريئًا؟ كيف يمكن الحديث عن عدالة في ظل الأكاذيب القضائية؟ كيف يُخدم الوطن، بينما تُدنس أقدس أسسه؟
لن نردّ عليك بكلمات جوفاء، بل بوعد. وعد بإسماع صوت مهدي. وعد بفضح هذه المحاولة الدنيئة لإقحامه في جريمة قتل. وعد برفض تطبيع الاضطهاد السياسي. وعد بالوقوف في وجه هذه الآلة القمعية التي تسحق اليوم مهدي، كما تسحق آخرين.
لأن المستهدف ليس فقط أخاك، بل فكرة. فكرة تونس الحرّة، العادلة، الكريمة. وهذه الفكرة لن تُسجن.
سنواصل الكلام. سنواصل الكتابة. سنواصل التنبيه، والتنديد، والتعبئة. لأن ما يعيشه مهدي اليوم، لا يجوز القبول به، ولا ينبغي تطبيعه.
مهدي بن غربية بريء. وما تعيشينه أنت وعائلتك، هو محنة لا مكان لها في مجتمع يحترم حقوق الإنسان.
غضبك يا منى صادق، وغضبنا هو غضبك. لأن من وراء سجن مهدي، تُسجن العدالة. تُسجن الحقيقة. تُسجن الحرية. وهذه الحقيقة سنواصل حملها، رغم التهديدات، رغم الشتائم، رغم الخوف.
لن نستسلم لليأس. لن نُشيح بأبصارنا. لن نقبل أن يتحول التعسف إلى قاعدة. تونس ليست فقط في أيدي من يُسيئون استعمال السلطة، بل هي أيضًا في أصوات الذين يرفضون الصمت، وفي قلوب الذين يرفضون النسيان، وفي نضالات الذين يرفضون الانكسار.
قلتِ إن مهدي لن يخرج طالما هذا النظام قائم. وربما كنتِ محقة. لكنكِ قلتِ أيضًا، ضِمنًا، إن هذا النظام إلى زوال. وهنا يكمن واجبنا: أن يأتي ذلك اليوم، في أقرب وقت ممكن. من أجل مهدي. من أجل الجميع. من أجل تونس التي نحملها في قلوبنا…”.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.