“طبرقيني، قصة البحر الذي يجمعنا” : فيلم وثائقي للمخرج التونسي حبيب المستيري يحظى بإشادة النقّاد الدوليين وسيُعرض للمرة الأولى في إسبانيا. يحملنا الفيلم في رحلة سينمائية مُبهرة عبر التاريخ المنسي للطبرقينيين، رمز التلاقح الحضاري والحوار بين ثقافات البحر المتوسط.
يواصل الفيلم الوثائقي “طبرقيني، قصة البحر الذي يجمعنا” للمخرج التونسي حبيب المستيري استقطاب اهتمام الصحافة، وهو ما تجلّى في المقالات العديدة المنشورة باللغات الفرنسية والإيطالية والعربية منذ إطلاقه. ويستعد هذا العمل السينمائي الآن لخطوة مفصلية جديدة مع عرضه الأول في إسبانيا، وتحديداً في جزيرة نويفا طبرقة ومدينة أليكانتي التاريخيتين. و ذالك يوم 31 ماي بجزيرة نويفا طبرقة و 3 جوان بمدينة اليكنتي.
يُعدّ هذا الفيلم باكورة الأعمال المُنتَجة في إطار صندوق دعم تطوير الإنتاج السينمائي المشترك التونسي الإيطالي، وهو عمل وثائقي إبداعي مدته 70 دقيقة يستكشف الملحمة الإنسانية الفريدة لـ “الطبرقينيين”، أولئك المهاجرين من أصول جنوية الذين استقروا في طبرقة التونسية خلال القرن السادس عشر، حيث أسّسوا مجتمعاً متعدد الثقافات فريداً من نوعه قبل أن تتفرّق بهم السُبل لاحقاً نحو شواطئ متفرقة من البحر الأبيض المتوسط.
ملحمة الهجرة والتمازج الثقافي
في عام 1544م، وعقب معاهدة تاريخية أُبرمت بين الإمبراطور شارل الخامس وباي تونس مولاي حسن، استوطن الجنويون جزيرة طبرقة للاستفادة من ثروات المرجان النفيسة. وعلى امتداد قرنين من الزمان تقريباً، ازدهرت هذه الجالية تحت إدارة عائلة لوميليني العريقة، وطوّرت نسيجاً اجتماعياً فريداً استلهم من البيئة المحلية أنماط حياتها وعناصرها الثقافية المتنوعة.
وعقب انهيار المركز التجاري في عام 1741م، اندمج قسم من الطبرقينيين في النسيج الاجتماعي التونسي، بينما شيّد آخرون مستوطنات “طبرقة الجديدة” في جزيرة سردينيا (كارلوفورتي وكالاسيتا) وفي إسبانيا (نويفا طبرقة). وحتى يومنا هذا، تحافظ هذه المجتمعات بكل فخر واعتزاز على تراثها الحي، وخاصة لغة “الطبرقينو” الفريدة وفنون الطهي التقليدية كالكسكسي، المعروف لديهم باسم “إل كاشكا”.
عودة مؤثرة إلى الجذور
سيقدم المخرج حبيب المستيري تحفته السينمائية لمجتمع الطبرقينيين في إسبانيا، وتحديداً في جزيرة نويفا طبرقة ومدينة أليكانتي. يمثل هذا الحدث عودة رمزية مؤثرة إلى مواقع التصوير ولقاءً حميمياً مع أولئك الذين فتحوا قلوبهم وشاركوا قصصهم وذكرياتهم العميقة لإنجاز هذا العمل الوثائقي المتميز.
ويقول المخرج : “إن العودة إلى مواقع التصوير، ولقاء أولئك الأشخاص الرائعين الذين شاركونا قصصهم وذكرياتهم وأفئدتهم، لنعيش سوياً هذه اللحظات المفعمة بالمشاعر من استعادة شظايا الذاكرة الجماعية عبر الشاشة، يبشر بلقاء استثنائي مفعم بالمعاني العميقة والأحاسيس الصادقة والسحر الخالص”.
وقد أصبح هذا العرض الخاص حقيقة ملموسة بفضل التعاون المثمر مع جمعية طبرقة الثقافية برئاسة السيد أنطونيو روسو، ومتحف نويفا طبرقة بإدارة السيد خوسيه مانويل بيريز، ومؤسسة كاسا ميديتيرانيو المرموقة.
جسر متين بين الثقافات
في حوار صحفي مؤثر، صرّح حبيب المستيري قائلاً: “ينبغي أن تضطلع السينما بدورها الحيوي في المساهمة بصون وإحياء الذاكرة الجماعية للشعوب. يُجسّد ‘طبرقيني’ حقيقة راسخة مفادها أن تونس كانت على مر العصور أرضاً مضيافة للاجئين والمحتاجين بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو معتقداتهم الدينية.”
ويدعم الفيلم بحماس كبير المساعي الحثيثة لإدراج التراث الثقافي الطبرقيني ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لمنظمة اليونسكو، حتى “تظل هذه القصة الإنسانية الملهمة حية في الوجدان، وتُصان هذه اللغة الفريدة وتُحمى ثقافة التشارك والتعايش هذه للأجيال القادمة.”
ويضيف المخرج بخصوص العرض المرتقب في إسبانيا: “لقد وُلد هذا المشروع من رغبة صادقة في إعادة الاتصال بالجذور الأصيلة، وإنطاق الذاكرة الصامتة والاحتفاء بتلك القوة الخفية التي توحّد الأجيال عبر العصور: البحر المتوسط. إنه لشرف عظيم لي أن أشارك هذا العمل مع الأحفاد الأوفياء وحراس التراث الغني بالتاريخ والمشاعر الإنسانية النبيلة”.
لمحة عن المخرج
بدأ حبيب المستيري مسيرته الفنية المرموقة في عام 1977م في مجال السينما الهواة. وبعد أن كان عضواً فاعلاً في الفريق المؤسس لأول قناة سينمائية عربية في إيطاليا (Orbit Al Oula) وحصد العديد من الجوائز المرموقة، كرّس موهبته وخبراته لإخراج الأفلام الوثائقية والروائية الطويلة التي يتجلى فيها الفن والتاريخ بصورة متناغمة. ويُعد “طبرقيني” رابع أعماله الوثائقية الطويلة وأكثرها نضجاً وعمقاً.
شارك رأيك