بعد كتابه “الحرس الوطني: الذاكرة والتاريخ (1956-2011)” الصادر سنة 2021، يعود العقيد المتقاعد محسن بن عيسى بعمل جديد يعمّق فيه اهتمامه بالذاكرة الأمنية، تحت عنوان “سنوات الواجب “، والصادر عن الدار المتوسطية للنشر.
في هذا المؤلَّف، الذي يمتد على 238 صفحة موزعة على عشرة فصول، يقدّم الكاتب شهادة شخصية من قلب المؤسسة الأمنية. للمرة الأولى يتحدث ضابط سامٍ عن مسيرته وتجربته، وما معنى الأمن في حالة تاريخية صعبة؟ وكيف يُمَارس في سياق قَسريّ من التسّّلط؟
استعرض مسؤولياته والأزمات التي مرّت بها البلاد خلال ثلاثة عقود من حكم بورقيبة وبن علي. رصد العديد من القضايا السياسية والتي في محتواها قضايا اقتصادية واجتماعية وأمنية. تحّّدث عن العلاقات المعّقدة التي كانت سائدة داخل مؤسسات الدولة وعن التعاون الأمني العربي وطرح جوانب من رؤى الاصلاح. أكّد على أنّ المطلوب من الاصلاح ليس الأخذ دوًما بهيكلة تنظيمية جديدة، بل في مقاومة العقليات. وبّين في سياق ذلك أنه لا يمكن لأيّ صيغة أجنبية أن تكون مثالا تحتذيه تونس، بل يجب أن تبتكر مثالها الخاص حسب ما تقتضيه تجربتها التاريخية والقانونية والسياسية.
الكتاب ليس سيرة ذاتية تقليدية ولا مرافعة سياسية، بل رؤية متوازنة تمزج بين الذات والواقع، وبين الواجب والوعي، دون انزلاق إلى تصفية حسابات أو تمجيد شخصي. يتحدّث المؤلف عن معارك خاضها في سبيل الالتزام والمسؤولية، ويستحضر شخصيات تركت أثرها في مسيرته، ويستعرض مواقف جسّدت لحظات فارقة.
“سنوات الواجب” هو نقلة من التجربة الفردية إلى الأفق الوطني، حيث تتحول الذكريات إلى دروس، والتأملات إلى مقترحات. وهو في الآن ذاته، محاولة صادقة لفهم تعقيدات العمل الأمني من الداخل، بكل ما يحمله من تحديات وإنجازات وصراعات صامتة.
كتاب قد يجد فيه القارئ صدى لتجربته، أو إلهامًا لمسيرته، أو بداية لحوار جديد حول مؤسسات السيادة والأمن، ومسؤولية الإصلاح من داخلها.
شارك رأيك