«كل شيء يبدو كالمسمار في نظر من لا يملك سوى مطرقة.» هذه المقولة، المنسوبة غالبًا إلى عالم النفس أبراهام ماسلو، تلخص بدقة المأزق الذي تفرضه رؤية للعالم تجعل من القوة العسكرية الرد الوحيد على تحديات عصرنا. ما نشهده اليوم، سواء في التصعيد بين إيران وإسرائيل أو في غزة، يُظهر بوضوح فشل هذه الإستراتيجية التي أعيد إحياؤها بلا تمييز من قبل ساكن البيت الأبيض الحالي.
خميس الغربي

إن فكرة فرض السلام بالقوة وهم قديم، وخطير، ويتعارض بشكل عميق مع مبادئ القانون الدولي. فهي لا تنتج أمنًا ولا استقرارًا، بل العكس تمامًا: الكراهية، والدمار، وبذور صراعات جديدة.
لكن هذا الاعتقاد ليس جديدًا. لقد قاد من قبل إلى الكارثة. والتاريخ ترك لنا درسه المر: اتفاق ميونيخ عام 1938.
ميونيخ 1938 — السلام من خلال الخضوع للقوة
في عام 1938، أمام مطالب أدولف هتلر بضم إقليم السوديت وطرد السكان التشيك، ظن القادة البريطانيون والفرنسيون أنهم يحفظون السلام من خلال الرضوخ لمطالبه.
كان نيفيل تشامبرلين، رئيس وزراء بريطانيا، يعتقد أنه تفادى الحرب بالتضحية بسيادة تشيكوسلوفاكيا. وعاد من ميونيخ معلنًا أنه حقق «السلام لعصرنا». لكنه في الحقيقة لم يحقق سوى الخضوع للأمر الواقع المفروض بالقوة.
عندها قال ونستون تشرشل عبارته الخالدة: «كان أمامكم خياران: العار أو الحرب. اخترتم العار… وستحصلون على الحرب.»
هذه الكلمات تحمل صدقًا مأساويًا. لقد أرادت أوروبا السلام بأي ثمن، حتى ولو على حساب القانون والعدالة. فنالت الإذلال… ثم الحرب، في أقل من عام.
2025 — عودة سياسة العصا الغليظة وفشل القوة
في غضون ستة أشهر فقط، أنتجت السياسة الخارجية الأمريكية، التي تتبنى التهديد الدائم بالقوة، نتائج كارثية:
• استمرار حرب الإبادة في غزة، التي بدأت قبل إعادة انتخاب دونالد ترمب، حيث قُتل أو جُرح 160,000 فلسطيني، وسكان منهكون بلا مأوى، ولا غذاء، ولا ماء، ولا مستشفيات، ولا رعاية، ولا أفق.
• اشتعال منطقة جديدة، مع دخول الصراع بين إيران وإسرائيل مرحلة علنية، تنذر بعواقب مدمرة على مستوى العالم.
كل هذا لم يجلب أمنًا، ولا سلامًا، ولا حلًا دائمًا. فالعنف لا يولّد إلا العنف. وشعوب اليوم لم تعد عزلاء كما كانت في 1938: فالتفوق العسكري لم يعد مضمونًا، والدوامة قد تخرج عن السيطرة في أي لحظة.
لا “قبة حديدية” ولا “قبة فولاذية” تضمن الأمن التام. وحدها “قبة السلام”، غير المرئية ولكن المتينة، يمكن أن تحمي شعبًا على المدى الطويل — من خلال علاقات مستقرة مع الجيران، قائمة على الاحترام المتبادل، لا على الخوف أو السيطرة.
لا يمكن لأي دولة أن تعيش في أمن دائم بينما يعيش جيرانها في الذل والخوف من التهجير أو تحت وطأة صراعات مفروضة عليهم. لا يجب أن تتحول القوة العسكرية إلى تصريح بالضم أو الإذلال أو تصدير الأزمات خارج الحدود.
فلا مدينة، مهما تحصنت، في مأمن من الجنون البشري. والعالم بأسره لا ينسى برجي نيويورك، اللذين ضُربا في قلب دولة ظُن أنها عصية على الهجوم. واليوم، حين نرى مدن الشرق الأوسط تتسابق في الخراب، من كان يتصور أن تل أبيب وجباليا قد تعكسان بعضهما البعض — لا في السلام، بل في الدمار؟ من كان يعتقد أن الحرب تجعل الأعداء يتشابهون من الأسفل، في أنقاضهم وملاجئهم؟
هذا هو التناقض القاسي للقوة: إنها تدمر الآخر… لكنها دائمًا ما تنقلب في النهاية على صاحبها.
القانون، الأساس الوحيد لسلام دائم
لا يمكن أن يوجد سلام دائم بدون احترام القانون. ولا حلول للقضايا المعقدة بدون تنازلات متبادلة.
السبيل الوحيد للخروج هو الحوار، والدبلوماسية، والاتفاقات متعددة الأطراف، واحترام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
الشعوب لا تطمح للموت تحت القنابل. إنها تريد الحياة. وتريد أن تكرّس طاقتها لمواجهة الأخطار الحقيقية لعصرنا:
• الكوارث المناخية
• الأوبئة
• الفوارق الاجتماعية المتزايدة
أما سياسة “رعاة البقر” — حيث يُوضع المسدس على طاولة العدالة — كما في قصص “لاكي لوك”، فهي كاريكاتور للعدالة. إنها حكم الاستبداد، حيث تُقلب القوانين، كالقاضي الذي يقرأ قانونه بالمقلوب وسلاحه في يده.
يجب أن تنتهي هذه الحقبة. فالقوة الغاشمة لا تبني شيئًا متينًا.
اختيار السلام عبر القانون
في عام 1938، اختار العالم وهم السلام من خلال الخضوع للقوة. فكان نصيبه الحرب.
أما في 2025، فلا يزال الوقت متاحًا لتجنب الخطأ نفسه. لا يُبنى السلام بالقوة. بل يُبنى بالقانون، والعدالة، وشجاعة الحديث — حتى مع الأعداء.
السلام المفروض بالقوة ليس سوى سراب: يضحي بالقانون دون أن يضمن السلام. آن الأوان لقلب المعادلة — أن نستمد قوتنا من القانون والعدالة، لبناء سلام كريم… وبشرف.
كاتب ومترجم.
شارك رأيك