تونس : لصالح من يتمّ إضعاف الجبهة الداخلية ؟

كل ما يجرى اليوم في تونس يبعث على الخوف ليس فقط لان حجم المخاطر قد تضاعف مرّات و مرّات بل لأن الجبهة الداخلة ينخرها الإحباط و الخوف و التشاؤم و اليأس و لعل ما يحدث من توتر و غضب و صراع يرقى إلى درجة الحرب الحقيقية التي تدور دون نيران أو مدافع مع أن الرئيس قيس سعيد لا يخلو أي من خطبه من العبارات الحربية مستعينا بترسانة من المفردات المخيفة.

 أحمد الحباسي *

لا شك أن رئيس الدولة يؤمن أشد الإيمان بأن لغة الحزم العسكرية هي اللغة المناسبة و أنه صعد للحكم في وقت تهاوى فيه مفهوم هيبة الدولة إلى الحضيض بحيث عليه استعمال لغة الحجاج ابن يوسف حين ولّى على العراق و تلك المقولة الشهيرة “إني أرى رؤوسا قد أينعت و حان قطافها “. لذلك غير الرئيس الدستور و أنشأ المرسوم 54 لسنة 2022 و هدد القضاء علنا و بلا مواربة بأن من يطلق سراح الموقوفين من معارضيه فهو شريك لهم.

لم يعد هناك شك أن حقوق الإنسان بما فيها حرية التعبير قد ضربت في مقتل بالمرسوم 54 و لم يعد هناك شك أن غضب المنظمات الأممية و الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان له ما يبرره و لم يعد هناك من يؤمن أن هذه المنظمات حين وصفت احتجاز السيدة عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحرّ بأنه احتجاز قسري يتنافى مع  حرية التعبير و حق هذه المعارضة للنظام في التعبير عن رأيها دون أن تتعرض للقمع أو للاحتجاز أو لما يراه الكثيرون من توجيه لائحة اتهامات باطلة و مختلقة قد حادت عن الصواب في توصيفها لما يحصل داخل سجون النظام  التوصيف المناسب الصحيح.

أرضية خصبة  لنمو التعصب و الحقد و الكراهية

لقد تعالت الأصوات من كل حدب و صوب منادية بفتح السجون و إطلاق سراح كل من لم تتلطخ يده بدماء التونسيين و لم يشارك في تسفير الإرهابيين إلى سوريا و لم يبع تونس في سوق النخاسة و لكن النظام لم يستجب لكل هذه المناشدات بل زاد في كبت المدونين و خرق قضاءه لأبسط قواعد المحاكمة العادلة و ما  حدث من تجاوزات قانونية مرعبة عند البت في القضية الأخيرة  ضد السيدة عبير موسي دليل فاضح على تردي القضاء  سيبقى عالقا بأذهان التونسيين لسنوات.

المعركة التي فتحها رئيس الدولة ضد حرية التعبير و الحق في الأحزاب و في المعارضة معركة يؤمن الجميع أنها لم تحقق أي هدف سوى توفير الأرضية الخصبة  لنمو التعصب و الحقد و الكراهية و إعطاء الأعداء المتربصين فرصا على طبق من ذهب لغرس سكاكينها المسمومة في ظهر هذا الجسد المنهك و المتهالك.

لعل أسوأ ما يمكن أن يحدث لبلد ما هو أن يتجاهل النظام حالة الغضب و الإحباط أو ما يعانيه الشعب من ضغط مكبوت و احتقان مرتفع.

هناك عملية تستهدف تفكيك الجسم الداخلي من خلال استنزاف القوى الحيّة و تحطيم أحلام الشباب و اختلاق لوائح اتهام جاهزة و العبث بالسلطة القضائية و تسخيرها لغايات سياسية لضرب المعارضين و كتاب الرأي الحرّ و هناك خطاب سياسي  يثير الإحباط لما يتضمنه من مفردات عشوائية مخيفة.

هناك إفلاس حكومي غير مسبوق في كيفية معالجة المشاكل المستعصية المتراكمة و هناك مسؤولون فاشلون يتم تعيينهم لمجرد الولاء و ليس للكفاءة.

لمّ الشمل و نبذ الصراع و الحث على العمل و الاستثمار

لم يسع رئيس الدولة للأسف الشديد إلى نحت خطاب يدعو إلى لمّ الشمل و نبذ الصراع و الحث على العمل و الاستثمار كما لم الرجل أن خطبه تؤدى إلى نتائج سلبية و لم يعد من يهتم بمحتواها من فرط التكرار و انعدام الحجة و الدليل. 

لذلك تنهار الجبهة الداخلية تحت وقع تلك المفردات الخشنة كما تنهار لأن حجم الانتهاكات قد بلغ أرقاما قياسية و بات الأمن بالنسبة للمواطن مجرد وهم. 

لعل النظام  لا يدرك حقيقة ماذا يحدث داخل الأذهان و كيف له أن يعرف و قد تجاوزت تصرفاته السلبية كافة حدود المنطق و المعقول بل لنقل بمنتهى الصراحة هل يعتقد النظام أن الإصرار على التعسف هو الطريق نحو الانتصار وليس الطريق نحو تفتيت الجبهة الداخلية و خدمة مخططات الأعداء؟

لقد كان الاعتقاد سائدا عند انتخاب الرئيس للعهدة الرئاسية الأولى أن تونس قد جاءها الفرج لكن الاعتقاد السائد اليوم أن محنة تونس قد أصبحت معقدة و بلا حلّ والخوف كل الخوف أن ينهار جسر الصبر ليغمر ما تبقى من بصيص أمل و تفاؤل.

كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.