سنية الدهماني في لقائها بالأستاذ بن غازي و ما بقي يهمها: “ابنتي و فرحها. أما البقية… فهي تفاصيل”

قبل يومين من الجلسات الثلاث المبرمجة يوم الجنعة 11 جويلية الجاري، زار الأستاذ المحامي سامي بن غازي اليوم الاربعاء منوبته سنية الدهماني المحامية و الاعلامية التي تقبم وراء قضبان سجن النساء بمنوبة منذ أكثر من عام…

و روى الأستاذ مشهدا دقيقا لما آلت إليه الأمور حتى أن سنية الدهماني لم تعد تعنيها مقاضاتها و كل ما يشغلها ابنتها و فرحها… فقط:

،”زرت اليوم الأستاذة سنية الدهماني، التي أُغلِق خلفها باب السجن في منّوبة، كأنما أُريد لحريتها أن تُصادَر في مساحة ضيّقة لا تتّسع إلا لصبرها. جئتُ أحمل معي أوراقًا وأجوبة وأسئلة تحضّرًا للجلسات الثلاث المقرّرة يوم الجمعة القادم.

لكنها لم تمنح تلك التفاصيل سوى لحظة قصيرة، لحظة تشبه رفّة يد لا تكترث بشيء. التمعت في عينيها نظرة واثقة وهي تقول بنبرة صافية يختلط فيها التحدّي بالهدوء:

“لست معنيّة لا بالقضاء ولا بمساره ولا بتعليماته وما سيجري في قاعاته، فليفعلوا ما شاؤوا.”

كأن كلماتها تلك كانت المفتاح الذي أدار قفل الحديث، لتترك وراءها ضجيج القضايا وتدخل برفق في حديث آخر، حديثٍ لا يليق به إلا الهمس. بدا صوتها يلين فجأة، حين انتقل إلى ما يشغل قلبها حقًا: عيد ميلاد ابنتها.

حكت لي كيف تحوّلت تلك المناسبة الصغيرة، داخل الزنزانة، إلى لحظة عظيمة تليق بمحبة الأمهات. كيف تآلفت زميلاتها في الغرفة على صناعة فرح بسيط من فتات الإمكانيات وكمال الإنسانية. رأيتها وهي تصف لي كعكة مرتجلة من بسكويت “سيدة”، وقهوة “نيسكافيه”، وبعض الياغورت. وكيف جمعن شظايا الضوء في فتائل قطن غُمست في الزيت، لتغدو شموعًا خافتة تشبه أحلامهنّ التي لا تنطفئ.

كانت لحظة متواضعة، لكنها، في قلبها، لحظة تملأ الليل بالطمأنينة. لحظة تقول للحرمان: أنت عابر.

وهناك، في تلك الزنزانة التي صارت أوسع من كل القاعات الباردة، وجدتني أتساءل:

كيف يمكن لأي إنسان في هذا العالم أن يجد في نفسه الجرأة ليحرم أمًّا من ابنتها لمجرّد كلمات؟ أي قلب هذا الذي لا يهتز أمام سطوة محبة الأم وهيبتها ومكانتها؟ وكيف يقدر أحد أن ينظر إليها لا بعين الرحمة، بل بمنطق الولاء الأعمى لأوامر صمّاء؟ أي قانون هذا، وأي أحكام هذه، التي ترى في بعض العبارات خطرًا يستحق أن يغلق الباب على امرأة لا تملك في وحدتها سوى خيط الحنين؟ أي خطر يمكن أن تشكّله أمّ وحيدة تتشبّث بحبّ طفلتها كي لا تنكسر؟

وفي ختام حديثها، عادت نظرتها إلى عينيّ، كمن يذكّرني بما يهمّ حقًّا، ثم همست بنبرة أمٍّ لا يعنيها من العالم سوى فرحة ابنتها:

“هذا وحده ما يعنيني اليوم… ابنتي وفرحها. أما البقية… فهي تفاصيل”.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.