هناك خاصيّة مشتركة بين كل الحكام العرب و هي كراهية مطلقة لحرية التعبير و التداول السلمي على السلطة و بطبيعة الحال لكل مقومات المجتمع المتحضر الديمقراطي. كما تجمع هؤلاء الحكام العرب رغبة متوحشة في استغلال القضاء لتركيع الخصوم السياسيين و إبعادهم و شلّ تحركاتهم المناهضة للنظام و استغلال البوليس السياسي كآلة قمع و اضطهاد و ترهيب. (الصورة : عادة ما تسقط الأنظمة العربية بفعل انقلابات عسكرية أو ثورات شعبية.)
أحمد الحباسي *

يقول شكسبير : “الحياة شبه عرض ، الكلّ يؤدّي دوره عليها ثم ينحني و ينسحب”، هذه حقيقة ثابتة لا جدال فيها لكن السؤال أو المشكلة لم تعد اليوم مقصورة على رداءة المسرحية أو رداءة الممثل السياسي بل في كيفية الانحناء و الانسحاب. حكامنا العرب و بدون استثناء يقفون يوميا ليؤدوا أدوارهم المسرحية و رغم حرص طابور الملقنين و المستشارين و الطبّالين و الردّاحين و ضاربي الكف فأغلبهم إن لم نقل كلهم، من باب الموضوعية والتنسيب، يفشلون في تأدية دورهم باقتدار و شموخ بل يميلون دائما إلى تأدية أدوار مشبوهة تملى عليهم من الخارج أو ينفذون ما في جعبتهم من دسائس طمعا في الاستمرار في المنصب و خوفا ألا يثور الشعب ضدهم فيحاسبون و يرمى بهم في السجون.
استبلاه الناس
لا أحد يصدق اليوم هؤلاء الحكام و لا خطبهم و لا ثورجيتهم و لا محاولاتهم استبلاه الناس و لا حنّيتهم المصطنعة و خاصة زعمهم أنهم يحملون هموم القضية الفلسطينية و قد شاهدنا صمتهم الخجول على ما يحدث في غزة و أقوالهم العبثية التي تثير السخرية.
بين الفترة التي تسبق تولى الزعماء العرب الحكم و الفترة التي يصلون فيها لكرسي الحكم و إتمام مراسم أداء اليمين الدستورية تتغيّر أشياء كثيرة و تنقلب مفاهيم شتّى و أول ما ينتاب الحاكم العربي هي حالة فقدان ذاكرة عجيبة و غير مسبوقة و من هنا يبدأ الانقلاب “السلمي” على كل ما تقدم من شعارات و بكائيات و مرثيات ليتغير هذا الكائن الزئبقي من إنسان عادي إلى شخص مرتبك يحاول بكل الطرق أن يزيح كل من يمكن أن يشكل عقبة في طريق نيته الاستمرار في الحكم إلى الأبد و لعل أول ضحايا هذه النزوة هو الدستور الذي أقسم على حفظ بنوده ليحوله في لحظة إلى أشلاء ممزقة تتطلب حسب نظره إعادة رتق جوهرية يستطيع من ورائها تمرير خطته الرئيسية وهي دسترة كيفية استيلائه على الحكم و تأبيد بقائه فيه بعد نهاية عهدته “القانونية”.
كل الحكام العرب خاضوا نفس التجربة المفلسة بمن فيهم هؤلاء الذين يحكمون باسم عصبة و سيد القبيلة و كلهم خرجوا من الحكم ربما ببعض الغنائم المادية و العقارية المودعة و الموجودة بالخارج و لكن تحت هدير و صيحات الملايين من هذه الشعوب التي تركوها على باب الإفلاس وعتبة الجوع.
كراهية مطلقة لحرية التعبير
هناك خاصيّة مشتركة بين كل الحكام العرب و هي كراهية مطلقة لحرية التعبير و التداول السلمي على السلطة و بطبيعة الحال لكل مقومات المجتمع المتحضر الديمقراطي كما تجمع هؤلاء الحكام العرب رغبة متوحشة فى استغلال القضاء لتركيع الخصوم السياسيين و إبعادهم و شلّ تحركاتهم المناهضة للنظام و استغلال البوليس السياسي كآلة قمع و اضطهاد و ترهيب و قد بلغ الأمر مداه في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حين حوّل صلاح نصر جهاز المخابرات المصرية إلى وكر للدعارة يصطاد فيه كبار الفنانات للحصول على معلومات مثيرة حول الحياة الخاصة لزعماء المعارضة.
نفس الشيء تقريبا حين حوّل وزير الداخلية المغربي السابق إدريس البصري المغرب إلى سجن كبير تعتقل فيه كبار الشخصيات المعارضة و تنفى فيه وراء الشمس في معتقلات لا تليق حتى بالحيوانات كل ذلك حفاظا على عرش الملك و استمرار تسلطه و جبروته.
فى معتقل أبو سليم الليبي قتل المئات بدم بارد الأمر الذي أشعل نار ما سمي بالثورة الليبية التي شهدت اغتيال العقيد معمر القذافي بطريقة بشعة تؤكد أن الاستبداد و التسلط لا يولدان إلا القهر و الحقد. والأمثلة عديدة على نزعة التسلط و الاستفراد بالسلطة في معظم الدول العربية التي لم ترق أي منها إلى الديمقراطية التي ما انفك يتشدق بها حكامها.
* كاتب ومحلل سياسي.
شارك رأيك