ربما هدأت العاصفة التي تبعت تصريح المحامي الأستاذ أحمد صواب أمام أبواب المحكمة الابتدائية بتونس حين مرر أصابعه على رقبته في إشارة فهمها قلم التحقيق على أنها تمثل لائحة اتهام بالإرهاب لم يسبق لها مثيل تضاهي أو تفوت لائحة الاتهام التي دونتها الجهات الأمريكية ضد أسامة بن لادن و أيمن الظواهري مجتمعين.
أحمد الحباسي *

في الحقيقة و الصواب أنه لا أحد سوى قلم التحقيق و بعض المنتسبين لجهات معينة و بعض الأقلام و الأصوات مثل الصحفي محمد البوزيدي و رياض جراد يصدق أن قامة قضائية رصينة و واعية و مالكة لكل أدوات الخطاب الإعلامي و السياسي يمكنها أن تفكر مجرد التفكير في إيذاء مشاعر زملاء المهنة ولا أحد خلاف هؤلاء يعرف الرجل يمكنه أن يسرح خياله ليظن أن تلك الإشارة لم تكن إلا طريقة تعبير مجازية ربما تبدو زائدة الجرعة لكنها لا يقصد منها إلا تنبيه القاضي و الزميل السابق إلى ما تثقل به مهمة القضاء من عسر معنوي لا يختلف عن عسر الإحساس بمرور حد السكين على الرقبة.
يقال أن من ولّى القضاء فقد قتل بغير سيف، و السيف هنا سيف معنوي لكنه سيف أمضى في وقعه من مضاء السيف الحقيقي و ربما لم يتفوه أحد قبل الأستاذ أحمد صواب بمثل هذا التصريح و لم يأت أحد على سيرة السيف أو السكين في مخاطبة الجسم القضائي الذي طالما وضعه الجميع في مرتبة مقدسة شأنه شأن رجال التعليم لكن المعلوم والمتوقع أن الجدل القضائي حول مسائل قضائية لها خصوصيات معينة دائما ما يفرز مقولات و ألفاظ و تراكيب جمل واستعارات غير مسبوقة في مجال الخطاب القضائي و السياسي.
الاستعارات في الخطاب الإعلامي والسياسي
في الواقع هناك شعور متصاعد أن هناك من يريد لصوت المحامي الموقوف أن يصمت بعد أن بات تنقله من وسيلة إعلامية إلى أخرى مقلقا و مثيرا لكثير من اللغط في وقت تحاول فيه السلطة معالجة كثير من الملفات الحارقة المتعلقة بحالات فساد يتم اكتشافها تباعا و لعل هناك من يعتقد أن تلك الإشارة التي أبداها الأستاذ أحمد صواب موجهة إلى أكثر من طرف.
لا يمكن أن ننكر أيضا أن هذا التصريح الذي كان سيمر بلا أدنى ضجة لولا تفطن أولاد الحلال إليه و استغلاله لتنشيط ذاكرة من استمعوا إلى بعض الأصوات مثل الصحفي المعز الحاج منصور الذي نادى علنا بمحاكمة الرجل حول علاقته بشبهات فساد في ملف هيئة مكافحة الفساد في عهد العميد السابق شوقي الطبيب.
هناك أمر مهم جدا لا يجب للمتابع إغفاله مهما كان موقفه من الأستاذ أحمد صواب حادا أو قابلا للتغيير أن الرجل متشبع بحكم تكوينه القضائي و سعة اطلاعه المعرفي بقيم الديمقراطية الحقيقية وبهذا المعنى فإنه لا يسوغ تحت أي منطق القبول بأن يكون للرجل أية مساحة تقارب أو تلاقى مع مفهوم العنف أو إمكانية ممارسته تحت أي ظرف أو عنوان.
هناك من يعتقد اعتقاد الجزم أن الأستاذ أحمد صواب لم يكن يتوقع إطلاقا وهو الذي لم يتعرض لمسار 25 جويلية بالنقد و كان يؤمن بأن باب الحوار يجب أن يكون مفتوحا مهما بلغت درجات الخلاف أن يتم الزج به في السجن و أن يعامل كسجين إرهاب و أن يرفض القضاء سراحه وهو الذي لا يرى نجاح الثورة إلا بنجاحها في جعل المواطن شاعرا بالحرية.
عصابة تكاد لا تفك الخط
“ما ظننت يوما أن أجهزة نظامية تتحرك تحت وطأة حملة شيطنة و افتراء من عصابة بالكاد تفك الخط، و لا تميّز بين الأدوات البلاغية و أدوات الحراثة و لا طاقة لها على التمييز بين الخطاب التقريري الوصفي المباشر و بين خطاب يستعمل المجاز و الاستعارة و التضادّ و الإيحاء و التهكم” : هذا تفسير الأستاذ أحمد صواب لما حدث و بطبيعة الحال سيبقى التساؤل مفتوحا حول الهوية الحقيقية لهذه “العصابة التي تكاد تفك الخط”.
أن يساق قامة بمثل قامة الأستاذ أحمد صواب إلى السجن مصفدا بالأغلال فهذا أمر جلل و غير منطقي تحت كل العناوين و الزوايا ففي كل الأحوال الرجل متشبع بقيم القضاء و لا نظنه فارا أو قابلا بأن يكون متخفيا طريدا أو نزيلا محتميا ببعض السفارات الأجنبية كغيره ممن باعوا البلاد و قبضوا الثمن.
لذلك كان الأمل و لا يزال معقودا أن يتم السراح و الإفراج قريبا. لا اعتراض على محاكمة الأستاذ أحمد صواب فهو من كان ينطق دائما و تكرارا بتلك العبارة “لا أحد فوق رأسه ريشة” لكن الاعتراض على الإيقاف و تصفيد أيدي الرجل بالأغلال و رفض إطلاق سراحه و هو الذي لن يقبل مطلقا أن يخيب ظن زملائه الذين أطلقوا سراحه فيه ليخذلهم و يفرّ خارج البلاد.
أحمد صواب مع حفظ الألقاب من طينة هؤلاء الرجال الذين ينحنون إجلالا لراية الوطن و يقبلون ترابه و لن يفرّ فلماذا كل هذا الإصرار على خيار سلب الحرية بدل إطلاق السراح لذلك رجاء أطلقوا سراح أحمد صواب و عبير موسي و سنية الدهماني و مراد الزغيدي و غيرهم من أبناء تونس البررة وهو ما لا يتنافى مع مواصلة محاكمتهم… فبلادنا يجب أن تبقى جنينة ورد تتفتح فيها كل الورود على رأى الشهيد الراحل شكري بلعيد.
كاتب و ناشط سياسي.
شارك رأيك