سوسة – في ليلة فنية ساحرة، شهد مسرح هواء الطلق سيدي الظاهر بسوسة، ضمن فعاليات الدورة السادسة والستين لمهرجان سوسة الدولي، عرضًا استثنائيًا بعنوان “التخميرة” لمراد باشا. هذا العرض الصوفي الفرجوي، الذي أُقيم مساء الخميس 31 جويلية 2025، أعاد الحياة إلى فضاء مسرحي عريق، معلنًا انتعاشة مدارجه طال انتظارها.
عودة جماهير مسرح سيدي الظاهر إلى سابق عهدها
عانى مسرح سيدي الظاهر، أحد أيقونات مهرجان سوسة، في السنوات الأخيرة و بداية هذه الدورة من تراجع في مستوى الإقبال على العروض، لكن عرض “التخميرة” جاء ليعيد كتابة هذا السرد، حيث تحوّل المسرح إلى واحة فنية تمزج الأصالة بالحداثة. امتلأت المدرجات بجمهور متحمس تفاعل بحرارة مع العرض، الذي جمع بين الموسيقى الصوفية، الرقص التعبيري، والإضاءة المتقنة، ليخلق تجربة روحانية تأسر القلوب.

لوحة فنية متكاملة
استلهم “التخميرة” جذوره من التراث الصوفي التونسي، مقدمًا رؤية فنية تجمع بين الإخلاص للجذور والتطلع إلى الحداثة. تضمن العرض إحالات إلى أعمال تراثية شهيرة مثل “نادي عالشيخين” اداء أحمد حمودة، “راكب عالحمراء” اداء شكري المرابط، و”صاحب الجاه” اداء أنيس اللجمي و “عبد الحميد السايح ” اداء سيرين بالهادي مما عزز ارتباطه بالذاكرة الشعبية. ومع ذلك، جاءت المعالجة الفنية بأسلوب مبتكر جعل هذه الأعمال تبدو وكأنها تُقدَّم للمرة الأولى زادتها فواصل الحكواتي منتصر العميري تفردا .


كانت اللوحة الختامية ذروة الأمسية، حيث تألقت آلة المزود التقليدية كرمز للأصالة. صدحت الزغاريد وتعالت التصفيقات، معبرة عن إعجاب الجمهور بهذا الأداء الذي تفوق على كثير من العروض الصوفية الأخرى في المهرجان. الإخراج الدقيق، من اختيار النصوص والألحان إلى تصميم الحركات الراقصة والإضاءة، أنتج تجربة بصرية وعاطفية لا تُنسى.
مراد باشا: عشر سنوات من الإبداع
نجاح “التخميرة” لم يكن وليد الصدفة، بل نتاج عشر سنوات من التفاني في خدمة الفن الصوفي التونسي. مراد باشا، بصفته أحد أبرز الملتزمين بالحفاظ على التراث، قدّم رؤية فنية متوازنة جذبت جمهورًا متنوعًا، من عشاق التراث إلى الشباب الباحث عن تجارب معاصرة متصالحة مع تراثه . هذا التوازن جعل العرض منصة للربط بين الماضي والحاضر، مؤكدًا قدرة الفن على تجاوز الحدود الزمنية.

رسالة إحياء ثقافي
“التخميرة” ليس مجرد عرض فني، بل رسالة قوية حول إمكانية إحياء المشهد الثقافي من خلال الإبداع والالتزام بالجودة. في وقت تواجه فيه المهرجانات التونسية تحديات تهدد استمراريتها، يثبت هذا العرض أن الفن، عندما يُقدَّم بصدق واحترافية، قادر على لمّ شمل الجمهور وإعادة الروح إلى الفضاءات الثقافية. كما يُلقي الضوء على أهمية الدعم المؤسسي والتسويق الفعّال لضمان نجاح الفعاليات الثقافية.
دعوة لاستمرار الزخم
مع اختتام هذه الأمسية المميزة، تبقى آمال الجمهور معلقة على استمرار هذا الزخم . “التخميرة” أضاءت سماء سوسة، وأعادت الأمل في استعادة مهرجان سوسة الدولي جزء من جمهوره هذا العرض يدعو إلى مزيد من الاهتمام بالفنون التراثية ودعم المبدعين الذين يسعون للحفاظ على الهوية الثقافية التونسية بقالب معاصر.
عرض “التخميرة” لم ينتهِ بسدول الستار، بل فتح فصلًا جديدًا في مسيرة إحياء مدارج مسرح سيدي الظاهر ، مؤكدًا أن الفن سيظل دائمًا في قلب الشعب التونسي.
بشير حسني
صور : الصفحة الرسمية لمهرجان سوسة
شارك رأيك